كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ترتيب هارون الرشيد لطبقات المغنين]

صفحة 180 - الجزء 2

  معه نصيباً، وجعل للطبقتين الآخرتين بصلة لم يقبل واحد من الطبقة العليا منه ولا درهماً ولا يجتري أن يعرضه عليه، وكان الرشيد يراجع في تعرف أحوال أهل الملاهي إبن برصوما الزامر؛ فقال له ذات يوم: ما تقول في ابن جامع؟ فقال: خمر فطريل يصقل الذهن ويذهب العقل، قال: فما تقول في إبراهيم الموصلي؟ قال: بستان فيه خوخ وكمثرى وتفاح وحروق، قال: فما تقول في سليم بن سلام؟ قال: ما أحسن خِضَابَهُ، قال: فما تقول في عمر الغزالي؟ قال: ما أحسن ثيابه عرض بقصور حالهما.

  قال: وكان منصور المشهور بزلزل أحذق خلق الله بالمحسن، فلو سمعه الأحنف ومن هو مثله لم يملك نفسه حتى يطرب، وشرح قصصهم في هذا يطول، حتى أن المسمى بالرشيد كان يحمل من يوصف له بحذاقة على صناعة اللهو على زمر أو ضرب أو نقر على البريد خوفاً من تراخي الأيام بإتيانه.

  وكان برصوما الزامر في الطبقة الثانية؛ فأمر الرشيد يزمر على غناء ابن جامع، فامتنع، فقال الخادم: يقول أمير المؤمنين فتمتنع؟ فقال: إن كنت أزمر على الطبقة العالية رفعت إليها؛ فأما أكون في الطبقة الثانية وأزمر على الأولى فلا أفعل، فقال الرشيد: ارفعوه إلى الطبقة العليا، فرفعه إلى الطبقة العليا، فلما أعجبه زمره وهب له البساط، وقال لخادمه إذا قام الندماء فادفع إليه البساط الذي في المجلس، وكان البساط يساوي ألفي دينار، فحمله إلى منزله، وشاع ذكر تعظيمه ففرحت أمه وإخوانه بعلو منزلته، وكانت أمه نبطية لكْنَا تذكر، فخرج برصوما عن منزله فجاء نساء جيرانه يهنون أمه بما حظي من خليفة الله في أرضه وأمينه على دينه - على رأي الفقيه مصنف الخارقة، التي خرقت الإجماع، وخالفت الأوضاع - فلما انتهى النسوان، أخذت سكيناً وجعلت تقطع لكل من دخل إليها يهنيها قطعة من البساط حتى أتت على أكثره، فجاء ابن برصوما فقال: ويلك ما صنعت، فقالت: لم أدر إلا أنه كذا يقسم، فحدث الرشيد فضحك ووهب له آخر.