[الأمين ولهوه ولعبه]
[الأمين ولهوه ولعبه]
  وأما المخلوع المسمى بالأمين فأمره عجب كله وكان لا يبالي أين قعد ومع من قعد، ولو كان بينه وبين الندماء مائة حجاب خرقها عن وجهه حتى يقعد معهم، وكان ينهب الأموال، وغناه إبراهيم بن المهدي فوثب عليه وأكب على رأسه يقبله، فلما ارتفع قام إبراهيم فقبل ما وطيت رجلاه من البساط؛ فأمر له بمائتي ألف دينار، وأعطاه في مقام آخر غلاماً له وثلاثين بدرة، وقال: اغسل بها ثيابك، واستمر على حاله في اللهو والبطالة إلى أن أحيط به، ولقد كانت حجارة المنجنيق تقع في بساطه وهو يخطئ ويصوب في تقطيعه في الغناء، حتى إن جارية غنته فأخطأت في غنائها أفي طريقه أم في لفظه وأسهب(١) بطول فقذفها، وقال: خذوها، فكان آخر العهد بها.
[المأمون والمغنين]
  والمأمون كان أمثلهم طريقة، وأثبتهم نظراً وأرقهم مكيدة، وأملكهم لنفسه؛ فأقام عشرين شهراً لم يسمع الغناء، ثم سمعه من خلف الستارة سبع حجج متشبهاً بالرشيد، ثم ظهر بعد ذلك للمغنين والندماء، وكان أهل بيته يغنونه؛ لأنها صناعة القوم، وشاع هذا الفن فيهم، وكثر حتى شاع في نسائهم ورجالهم.
  علية بنت المهدي يضرب بها المثل في جودة الغناء، وإبراهيم بن شكلة على أنه ولي الخلافة مدة، وقال فيه بعض شعرائهم:
  يا معشر الأجناد لا تقنطوا ... خذوا الذي يأتي ولا تسخطوا
  فسوف تُؤْتَونَ حمينيةً ... يرضا بها الأمرد والأشمط
  وهكذا يرزق أجناده ... خليفة مصحفه بربط(٢)
(١) الذي تقدم في سيرة الأمين: فشتمها بالقذف. (هامش نخ).
(٢) بربط، كجعفر: عود يضرب به وليس من ملاهي العرب فالكلمة فارسية معرب. (هامش نخ).