[المأمون والمغنين]
  يا شرجة(١) الماء قد سدت موارده ... هل لي إليك طريق غير مسدود
  لحائم حام حتى لا حيام له ... محلأً عن طريق الماء مطرود
  فلما غناه زرزر أطربه وأبهجه وحرك له جوارحه، وقال له: ويحك، من هذا المعذب المطرود دلّته المغنية على أن البيتين عرض بهما، قال: عبدك المطرح المستحقر يا سيدي إسحاق، فقال: يحضر الساعة، فجاءه رسوله وهو مستخف مستبعد قد علم أنه إن سمع الغناء من مجيد مؤد أنه سيبعث إليه، فلما دخل إليه ودنا منه مد له يده، ثم قال: ادن مني؛ فدنا منه فأكب عليه واحتضنه وأقبل عليه بوجهه مصغياً إليه ومسروراً به.
  فهؤلاء أهل الفضائل في المنازل من أئمة الفقيه صاحب الخارقة! ولا شك في صحة هذه النسبة لأنها خرقت الإجماع؛ لأن الإجماع منعقد على أن الإمام لا يكون إلا عدلاً جامعاً للخصال المعتبرة، والإجماع منعقد أيضاً على أن من ركب هذه القاذورات فاسق، والفاسق لا يكون إماماً إلا للفاسقين، ولا يستحق إمرة المؤمنين.
  وإنما الخلاف بين المسلمين وقع بين الصحابة ¤ وبين التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا في عين الإمام لا في شرائطه، ومع اختلاف الصحابة في عين الإمام لم يختلفوا في طلب الأفضل للإمامة مع اختلافهم فيه من هو بين سعد بن عبادة وأبي بكر وعلي؛ فذكرت الأنصار فضائلها، وأن الدار دارها، وأن الإسلام عُزَّ بها، وذكر أبو بكر فضائل قريش وقرابتها من رسول الله ÷، وأن العرب لا تجتمع إلا عليها، وذكر أصحاب أبي بكر فضائل أبي بكر، وعلي # صاحب النص؛ فلم يكن يقتصر على ذلك النص بل يُضيف إليه فضائله في مقام بعد مقام، وعدالة الشاهد تعتبر بالإجماع فيما شهد به من قليل الأموال وكثيرها من
(١) الشرجة: سيل الماء. انتهى من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.