[نموذج من جهل الفقيه بالناسخ والمنسوخ]
  أفضل العجم والعرب، وأشرف أم وأب، غير أن الفقيه ما نطق إلا بما غلت به مراجله، وضاقت عليه مخارجه ومداخله؛ فصار يطمّح بما سمح به خاطره بغير نظر ولا تدبر، ولو فكر فيما أورده قبل الإعلام به ما استحسن أن يذم بالمدائح الفائقة، ولا يغضب لما يمقته تعالى به في الدار الآخرة، وهو أحكم الحاكمين.
  وأما استدلاله بكلامه تعالى في نوح # وابنه، فهو عمل منه بمقتضى مذهبه في بغضه ذرية خاتم النبيين حتى ألحقهم بمن عاند المرسلين، وقد ورد في المأثور بالسند الصحيح: «أنه لا يبغضنا أهل البيت إلا أحد ثلاثة ..» وقد عرف ذلك في الرسالة الأولى؛ فلينزل نفسه حيث أحب فله عند الله جزاء ما اكتسب، على أن في ذلك تقويض مذهبه من قواعده، وهدم أدلته وشواهده؛ لأن العمل الغير الصالح إن كان عمل ولد نوح نقض مذهبه وشارك أهل العدل والتوحيد في دينهم الحميد، وإن كان فعل الله فأي لوم على ولد نوح في فعل الله تعالى؟!
[نموذج من جهل الفقيه بالناسخ والمنسوخ]
  وأما حكايته عن صاحب الرسالة الرادعة من الاستدلال بقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... الآية}[النحل: ١٢٥]، والآية الأخرى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ١٩٩}[الأعراف]، وقوله: «فقد قال بعض العلماء: إن هذا منسوخ بآية السيف».
  فالجواب: أن المجادلة بالتي هي أحسن وهي طريقة البيان لا يجوز فيه النسخ؛ لأن النبي ÷ بعث مبيناً لتكمل الحجة على من بعث إليهم، قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٩}[المائدة].
  وأما الآية الثانية فيصح فيها النسخ إلى ما هو أغلظ من الإعراض، وهو