[العباسيون يدينون بما يلزم فقيه الخارقة كونه مخرجا لهم من القرابة]
  مطيعاً؛ لأن المطيع هو الذي يفعل ما أراده المطاع، والعاصي نقيض ذلك.
  وعندنا أن الله تعالى لم يرد الربا ولا السرقة، ولا القبائح كلها، ولا شيئاً منها، وأنه لو أراد منع العصاة منها لقدر على ذلك، بل لو سلبهم القدرة والآلة لما صح منهم الفعل، ولكنه خلق فسوى وقدر فهدى، وعرفهم الخير والشر، والحسن والقبيح، وأمرهم ببعض الأفعال، ونهاهم عن بعضها، وتوعدهم على بعضها، ووعدهم على بعضها، ثم مكنهم على الفعلين جميعاً؛ فاختاروا القبيح لسوء اختيارهم، وقبح إيثارهم؛ فاستحقوا العقاب، ولو جبرهم على الفعلين جميعاً لكان فعله دونهم، ولما كان للتكليف حكم كما في أفعاله تعالى من ألوانهم وصورهم؛ فهي لا يتعلق بها حمد ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب؛ لما كانت فعله تعالى، وهو عدل حكيم لا يعيب ما يفعل ولا يفعل ما يعيب، ولا يذم على ترك ما لم يمكّن منه، ولا يحمد على حصول ما جبر عليه أو فعله، ومن تدبر ذلك عرف الحق عياناً.
  وأما قوله: وأوجب على الله تعالى ما لم يجب عليه؛ فهو تعالى الموجب على نفسه، قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]، ولو عاقبهم على فعله لظلمهم لا محالة، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}[فصلت]، وقال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}[آل عمران: ٣٠]، وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}[الزلزلة]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}[الأنبياء: ٤٧]، وقال: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٧}[القارعة]، فهل توزن أيها الفقيه أفعاله تعالى وأفعالهم؟! وقد اختلف أهل العلم في الموزون وما هو فقيل: الصحف، وروينا في ذلك مسنداً، وقيل: نور وظلمة جعلهما الله أمارة فعل العبد؛ فهل الجزاء على أعماله أو على أعمالهم؛ نعود بالله من جهالة تؤدي إلى ضلالة.