[الرد على أدلة الفقيه في القدر]
  فالكلام يقع منه في موضعين:
  أحدهما: ما ذكره ÷ من ترتيب الخلقة، وذكر أوقاتها، وهذا كلام حق وقول صدق لا يخالف فيه مسلم، وإن وقع النزاع من الطبائعية في إضافة ذلك إلى تركيب الأرحام، وطبائع الأجسام وقوالبها، أو خروج النطفة من الحي من سائر أطرافه مشاكلة لمن خرجت منه، أو من تراكيب الأغذية والأهوية، وغير ذلك من الأقاويل الباطلة التي خالفت العقل والسمع.
  والموضع الثاني: في إرسال الله تعالى للملك فينفخ فيه الروح، وهذا صحيح عند من عرف عدل الله وحكمته، وعلم أن مصلحة الملائكة $ وتكليفهم العلم بما فعله سبحانه على ذلك الوجه الذي وقع عليه من ترتيب وتدريج.
  فأما على مذهب الجبرية فإن اعتقادهم بأن كل قبيح وكذب وعبث وزور ففعله تعالى وإحداثه وحده لا شريك له فلا تتم لهم الكلمة بحكمته تعالى، فيقال لهم: ما الوجه في خلق ابن آدم على وجه الترتيب والتدريج؟ ولم أمر الله تعالى الملك ينفخ فيه الروح، وهو تعالى المحيي والمميت؟ ولِمَ لم يتولَ الله سبحانه جميع ذلك؟ وما فائدة إرسال الملك، والملك لا يفعل فعلاً أصلاً لا حسناً ولا قبيحاً عند المجبرة القدرية؟
  فلا يمكنهم جواب إلا تسليم حكمته ø، وأنه فعل ذلك لمصلحة المكلفين، أما الملائكة فبالمشاهدة والخبر، وأما لسائر المكلفين فبالخبر لهم بذلك، وحكمته تعالى لا تعلم مع اعتقاده أنه تعالى خالق كل قبيح من كذب وظلم وزور وفجور في الدنيا من أولها إلى آخرها.
  وأما قوله ÷: «ويؤمر بأربع كلمات: يكتب أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد».
  فالكلام منه: أن هذا قول حق وقول صدق، ولكن يلزم عليه مثل ما تقدم من أن الله تعالى حكيم في جميع أفعاله، وأنه المتولي للبقاء كما هو المتولي