كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مسألة (ثلاثة أطفال) بناها الفقيه على القول بوجوب فعل الأصلح والجواب عليها]

صفحة 377 - الجزء 2

  وأما الجواب على وجه التفصيل في هذه المسألة؛ فهو:

  أن نبين له وجه الغلط في ترتيب السؤال، وهو أن الصغير تقديراً لو قال: يا رب لم رفعت درجة هذا علي؟ فيقول تعالى: بطاعته، فيقول: يا رب أنت أمتني صغيراً فلو تركتني حتى أبلغ كنت أعمل مثل عمله؛ فيقول ø: خَلْقُ الجميع منكم تفضل مني، وللمتفضل أن يفعل ما يشاء، ولا اعتراض في التفضيل، وبهذا ينفصل التفضل من المستحق؛ فإن التفضل يجوز أن يفعله القادر، ويجوز أن لا يفعله، ويجوز أن يزيد فيه، ويجوز أن لا يزيد.

  فتفضلت عليك بالخلق والرزق، وأمتك وصيرتك إلى الجنة برحمتي وبما تستحقه من الأعواض على ما أصابك من ألم وغيره، ويكون فيه لطف للمكلف، وأدمت التفضل على هذين المكلفين وخلقت لهما العقول، وكلفتهما ونصبت لهما الدليل، ولطفت بكل واحد منهما بما كان له في المعلوم من اللطف على ما قدمنا من معنى اللطف، وأحسن أحدهما الاختيار لنفسه فسلم من العذاب وفاز بالثواب المستحق على طاعته، وأساء الآخر الاختيار لنفسه فعصى مع تمكنه من الطاعة فوقع في العذاب المستحق على معصيته، وصار بذلك بمنزلة تقديم الطعام إلى جائعين وقد أشرفا على التلف فأكل أحدهما فسلم،


= وإن قيل تكون المعالجة بتصور أحوال هؤلاء الثلاثة في الدنيا فهذا بعيد وليس يصح إلاَّ لورود السمع بها على هذا الصفة، وكيف وإنما هي من تمويهات الملاحدة والنافين لحكمة الباري جل وتقدس. فلينظر، والله أعلم.

ولعلَّ المراد: أن إماتة الصغير فلا يحكم بدخوله النار وإبقاء العاصي من المعالجة؛ فالصغير متفضَّل عليه بمعاجلته، والكبير متفضَّل عليه بإبقائه وتعريضه على الخير وتمكينه منه. واختياره للشر وكفرانه للنعمة لا يغير التفضل عن حقيقته، ولا يلزم المساواة في أعيان التفضل، فله سبحانه أن يتفضل على بعض بنوع وعلى بعض بنوع آخر لحكمة خفيت علينا.

والتخصيص هو الدال على الفاعل المختار، وعدمه من لوازم العلل الموجبة كما هو معلوم في كتب الأصول. فليتأمل، والله الموفق.