كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حول قدرة الرب وقدرة العبد]

صفحة 384 - الجزء 2

[حول قدرة الرب وقدرة العبد]

  وأما قوله: «ومن يساوي بين قدرة الرب تعالى وبين قدرة العبيد، فقد خرج عن التوحيد».

  فالجواب: أنه إن أراد أن الله تعالى قادر لذاته لا يحتاج إلى قدرة قديمة ولا محدثه، وأنه قادر من كل جنس على ما لانهاية له، وعلى ما لا يغلبه عليه غالب، وأن العبد قادر بقدرة محدثة يخلقها الله تعالى له ولولاها لما قدر، ولا تتعلق قدرة العبد إلا على العشرة الأجناس التي قد ذكرناها، ولا يقدر بالقدرة الواحدة في الوقت الواحد من الجنس الواحد في المحل الواحد إلا على مقدور واحد - فهذا هو الفرق بين قدرة الباري تعالى، وقدرة العبد، وأن من جعل العبد قادراً لذاته فقد لزمه الشرك لإثباته ثانياً مشاركاً له سبحانه فيما يستحقه لذاته، ولما هو عليه في ذاته على وجه لا يشاركه فيه أحد فكان مثبتاً للتثنية.

  وإن أراد أن من أثبت قادراً على الإطلاق سوى الله تعالى فقد أشرك - فالفقيه قد أثبت العبد قادراً حيث قال: ومن يساوي قدرة الرب تعالى وقدرة العبد فقد خرج من التوحيد؛ فلينظر فيما فصلناه هاهنا فقد ابتنى عليه كثير من مسائله.

[لا فرق بين القائل بالكسب وبين المجبرة الجهمية]

  وأما قوله: «ولما لم تفهم القدرية هذا التعلق الذي أثبتناه لقدرة العبد صاروا لا يفرقون بيننا وبين الجبرية فاختلط عليهم الاستدلال، ولم يوفقوا للفرق بين الهدى والضلال».

  فالجواب: أنه إن أراد بالفرق بينه وبين المجبرة الذين هم الجهمية بأنه يقول بالاكتساب والجهمية يضيفون الأفعال إلى الله تعالى من كل وجه؛ فقد بينا أن الاكتساب إن كان هو حدوث الفعل فقد وافقنا على قولنا بإضافة الفعل إلى فاعله من العبيد.

  وإن كان عنده الكسب خلقاً لله تعالى صار جهمياً من وجهين من جهة الخلق