[مقدمة في أحكام الأخبار]
[مقدمة في أحكام الأخبار]
فصل
  واعلم أنه لما كان مدار كتابنا هذا على الأخبار احتجنا إلى تقديم مقدمة فيها، لأن الفقيه مصنف الخارقة توهم أنه من فرسانها، دعوى بغير برهان، فأحببنا أن نوضح له أحكام هذا الشأن، ليعلم أن الفتى النهدي(١) أعرف بالعيافة، وأن القطا الكدري أصدق في المخافة.
  فنقول وبالله التوفيق: إذا قد أردنا الكلام في الخبر فلا بد لنا من ذكر الخبر ما هو، وبماذا يصير خبراً؟
  أما الخبر على سبيل الجملة، فهو: نوع من أنواع الكلام، ذكره أهل العلم باللسان العربي، وتفصيل شرحه يطول، ومتى استُعْمل في الإشارة وغيرها كان مجازاً، كقول الشاعر:
  تخبرني العينان ما الصدر كاتم(٢)
  وإنما قلنا: إنه مجاز لأنه لا يطّرد اطّراد الحقائق، وإن رجعنا إلى التحقيق فهو يستغني بشهرته عن التحقيق؛ لأن المراد بالتحقيق الكشف والإبانة، ولا أظهر من قولنا خبر.
  فإذا أردنا التحقيق تعريفاً واستظهاراً قلنا: ما يصح أن يدخله التصديق والتكذيب، وإن استعمل التكذيب في غير الكلام فهو مجاز، يقال: شهوة صادقة أو كاذبة، ومحبة صادقة أو كاذبة، ونقول: الخبر لا يخلو من الصدق أو الكذب.
  فإذا أردت التمييز قلتَ: الخبر لا يخلو إما أن يكون له مخبَر أو ما يجري مجراه،
(١) خرج كثيّر عزة يريد عزة ومعه صاحب له من نهد، فرأى غراباً ساقطاً فوق بانة ينتف ريشه، فقال له النهدي: إن صدق الطير فقد ماتت عزة، فوافى أهلها وقد أخرجوا جنازتها، فقال لهم: ما أصدق النهدي، لا در دره، وأزجره للطير لا عز ناصره ... إلخ ما في شرح النهج وغيره. تمت منقولة.
(٢) تمامه: من الغلّ والبغضاء بالنظر الشزر.