[رجوع المعتزلة إلى الزيدية في العدل والتوحيد]
  صحت دعواهم عليهم أنهم لم يسموه وأشياخه قدرية لكان ذلك من جملة أخطائهم على أنهم لم يسكتوا، وكتبهم مشحونة بتسمية الجبرية القدرية، والاحتجاج بذلك، ولأنهم لو سكتوا فلا اعتبار بتركهم لوضع اسم القدر على مستحقه؛ لأن السكوت لا حكم له، وقد قضى بذلك رسول الله ÷ والصحابة ومن وافقهم كما قدمنا.
  وأما قوله: «على أنا نحتج عليكم بالإجماع السالف المتقدم، وإحداثكم الخلاف بعده لا يبطل حكم الإجماع السابق، وأنهم محجوجون بذلك، فسقط ما قالوا».
  فالجواب: أن دعوى الإجماع على أن أهل العدل والتوحيد الذين ينزهون الله تعالى عن فعل القبائح ويضيفونها إلى فاعلها من عصاة خلقه يسمون قدرية دون من ينسبها مع الفحشاء إليه تعالى عن ذلك دعوى باطلة؛ لما قدمنا من الأدلة على أن هذا اسم ذم، وهو متعلق بمن أضاف فعل القبيح إليه سبحانه دون من نفاه عنه، وينزهه منه كما نقول في التشبيه والتثنية وسائر النِّسَب إنما هي للمثبت دون النافي، فالكل مجمع على أن أفعال الباري خيرها وشرها بقضاء الله وقدره، وإنما الخلاف في أفعال العباد؛ فذهب القدرية على أنها فعل الله وقضاؤه وقدره، ونفيناها عن الله تعالى ونفاها ø عن نفسه، وقد بينا في ذلك دينَ رب العالمين، ودينُهم دينُ إبليس اللعين، قال الله تعالى حاكياً عن المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}[الأنعام: ١٤٨]، فعاب الله ذلك عليهم، وهو رأي القدرية، وما ذكرنا من مضاهاة المجبرة للمجوس من الوجوه المعروفة التي لم يقل بها مع المجوس إلا المجبرة بشهادة الصادق المصدوق ÷ في أخبار كثيرة بأن المضيف للمعاصي إليه سبحانه هو القدري، وبشهادة كبار الصحابة، ومن قال به من العلماء، فكيف يدعي الفقيه الإجماع على ما علم خلافه؟ بل لو عكس الفقيه، وقال بوقوع الإجماع على أن المجبرة هم القدرية لكان أقرب إلى الصواب.