[رجوع المعتزلة إلى الزيدية في العدل والتوحيد]
  وأما قوله: «ويدل على ذلك أيضاً أن النبي ÷ شبههم بالمجوس، وقد وجدنا المجوس تختص من بين سائر الأمم بقولهم: إن للشر والخير خالقين، وإن خالق الخير غير خالق الشر، وهم كذلك يقولون: إن الله لا يخلق الجور والظلم، وإن ذلك من إبليس بل يزيدون على المجوس؛ لأن المجوس إنما أثبتوا للخير كله خالقاً وللشر خالقاً واحداً، وهم زعموا أن للخير خالقين كثيرين لا يحصون وكذلك الشر فزادوا عليهم فوجب الحكم بأنهم مجوس».
  فالجواب: أن مذهبنا لا يضاهي مذهب المجوس؛ لأنا لا نثبت صانعين على الحد الذي أثبتوه؛ لأن القوم جعلوا النور فاعلاً للخير بطبعه على حد لا يمكنه مفارقته والظلمة فاعلة للشر بطبعها على حد لا يصح منها الانفكاك منه، وليست هذه حالنا فإننا إنما أثبتنا فاعلين يفعلان على طريقة الاختيار، على أن سائر الملل يوافقونا على أن هذه الأفعال تتعلق بنا، ونحن الموجدون لها، وقد شبه النبي ÷ القدرية بالمجوس على حد لا يشارك مذهبهم غيرهم، وذلك ثابت في المجبرة القدرية الذين جعلوا القديم تعالى كالمجبول على فعل الخير حيث لا يقدر على قبيح، حتى قالوا: إنه لا يصح أن يتفرد الله تعالى بالظلم، والشيطان مجبول على الشرور بحيث لا يمكنه مفارقتها والانفكاك منها.
  وأما قوله: «ويقولون لو خلق الله الجور لكان جائراً ولو آلم الطفل من غير عوض لكان ظالماً، فلهذا سماهم النبي ÷ خصماء الرحمن، وأما نحن فنسلم الأمر له ونقول إنه يفعل ما يشاء {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ٢٣}[الأنبياء]، فوجب أن يكونوا هم القدرية».
  فالجواب: إن حكاية هذا المذهب صحيحة لغة وعرفاً وشرعاً كما قدمنا فكيف يعيبها أو يجعلها طريقاً إلى مشابهة المجوس، وبيان ذلك: أن قولنا جائر وظالم اسم فاعل لا ينكره أحد من أهل اللسان، وأنهم يفرقون بين ذلك وبين قولهم أسود وأبيض أنه اسم للمحل الذي فيه السواد والبياض.