فصل
  عليها زَهِد في منشئها، فلعل غيره لا يزهد من أهل المعرفة، وليس في الإمكان اجتماع الناس على تصويب بشر، بل قد تعدى الحال إلى اختلاف الناس في رب العباد؛ فبعضهم أثبته وبعضهم نفاه، وبعضهم وحّده وبعضهم ثنّاه، وبعضهم عدّله وبعضهم جوّره، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
  فالأخبار التي تعلم مخبراتها ضرورة هي الأخبار عن الكائنات الكبار الظاهرة المستندة إلى المشاهدة، كالإخبار بالبلدان العظيمة، والملوك الكبار، فيما يرجع إلى الإثبات، فهذا يُعْلم صدقه ضرورة، وما يُعْلم كذبه ضرورة أيضاً من الأخبار كما لو أخبرنا مخبر أن السماء تحتنا والأرض فوقنا، أو ناقض أخبار الإثبات؛ كأن يخبرنا بنفي الملوك والبلدان، فهذا ما يتوجه على وجه الاختصار في المعلوم ضرورة.
  وأما ما يعلم بالاستدلال فهو ينقسم إلى ثلاثة:
  الأول منها: يعلم صحة المخبَر لأمر يرجع إلى المخبِر الفاعل.
  والثاني: يعلم لما يرجع إلى العادة والدواعي.
  والثالث: يعلم صحته لقرينة ترجع إلى الخبر.
  فالقسم الأول: كالخبر الوارد عن الله ø، أو عن رسول الله ÷ فعلمنا صدقه لأنه ورد ممن لا يجوز عليه الكذب في أخباره، لعدله وحكمته وغناه.
  وعلمنا صدق خبر الرسول لأنه رسول الحكيم الذي لا يجوز أن يرسل من يُعْلم من حاله الكذب؛ فإنه يُعْلم صدق المخبر بالدلالة.
  والخبر الوارد عن الأمة مجتمعة، فإنا نعلم صحته؛ لأن رسول الله ÷ قد أمّننا من وقوع القبيح منهم متى اجتمعوا على أمر من قول أو فعل، فعلمنا المخبَر لعلمنا بحال المورد للخبر، ولولا الاستدلال لما علمنا صحة الخبر وصدقه.
  و [القسم الثاني]: الذي نعلم صدقه باعتبار طريق الدواعي والعادات