كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل

صفحة 125 - الجزء 1

  كعلمنا بصحة خبر العدد الكثير الذي لا يجوز على مثلهم التواطؤ على الكذب لاختلاف الدواعي في مجرى العادة، وينقلون خبراً واحداً بريئاً من الغلط، محصناً من الوهم، متسق النظام، عن أمر مشاهد أو في حكمه، لا يجوز دخول التلبيس في مثله، فإنا نعلم من طريق العادات أن مثل هذا لا يكون كذباً، ويحصل العلم به لمن نظر في هذه الطريقة؛ لأنه لا نعلم –والحال هذه - داعياً لهم إلى الخبر إلا العلم بصحة المخبَر، وقد يقع الخبر من جميعهم، وقد يكون من بعضهم بمشهد الحاضرين ولا ينكرون ذلك؛ لأن العادة جارية أن الكذب لا يقع على مثل ذلك، بل لو وقع لانخرقت العادة.

  ومن ذلك: الخبر الذي تلقاه الأمة بالقبول، وتعمل به، فيخبر به كلهم أو بعضهم، فيحصل العلم بذلك.

  وأما الثالث: وهو ما يُعْلم صحته بقرينة، فهو: كأن يخبر أحدهم بما يتعلّق بباب الدين بخبر بحضرة النبي ÷، أو يخبر بخبر ويدعي بحضرة النبي ÷ أنه قد علمه ثم سكت فلا ينكر عليه؛ فإنا نعلم صحة ذلك الخبر.

  ثم نفصّل مقتضى ما ذكرنا مما يرجع إلى حال أحكام ذلك الخبر على أنواع علمنا أو ظننا، لكنه يخرجنا إلى الإسهاب.

  ولم ينف العلم بحصول العلم بالأخبار إلا السُّمنية⁣(⁣١) أو المتجاهلة السوفسطائية، وقد منع أهل العلم من مناظرتهم لتجاهلهم، وقالوا: كذّبوهم بأفعالهم، لأن السُّمني إذا أراد سلوك بلد لم يعتمد في أن هذه طريقه إلا الأخبار، وكذلك في جلب نفع أو دفع ضرر، وإذا انهزم الناس من الطاغية سبقهم فاراً ولا سبب لخوفه إلا الأخبار.

  والعلم بكيفية وجود العلم، وسببه، وموجبه، وحكمه عند وجوده،


(١) كجهنية بضم السين وفتح الميم: فرقة من عبدة الأصنام تقول بالتناسخ وتنكر وقوع العلم بالأخبار. تمت صحاحاً.