[مسألة هل الله قادر على ما علم أنه لا يكون]
  الزاكي الذي بلغ به هذا المبلغ من أن من فعل ما يسر غيره أو يسوءه أن يقال: جبره على ذلك، وكيف استجاز حشو الأوراق بمثل ذلك ولم يعلم أن كتابه يعرض على أهل العقول من فرق الأمة، فيظهر لهم هذا الفضل العظيم والإلزام الذي أبدعه الفقيه، ولم يسبقه إليه سواه.
  وأما حكايته عن صاحب الرسالة من قوله: فحينئذ يحسن حمده سبحانه على هذا الإنعام العام إلى آخره، ثم قال: «فأقول قد بينا مذهبنا ومذهب المجبرة وألزمناه أنه مجبر».
  والجواب: أنه لم يأت بشيء يجب الكلام عليه إلا وقد ذكرناه فيما قبل.
[مسألة هل الله قادر على ما علم أنه لا يكون]
  وأما قوله في جواب صاحب الرسالة: «إن الواحد منا لو كان قادراً على خلاف الواقع أن علم الله ينقلب جهلاً ثم قال بعده: وهذا باب الكفر يقرعه».
  فالجواب: أن القول بأن العبد يقدر على خلاف ما علم وقوعه لا يقلب العلم جهلاً؛ لأن ما علم الله تعالى أنه يقع فإنه يقع لا محالة من حيث اختاره القادر عليه لا من قبل أن الله تعالى علمه، وما علم تعالى أنه لا يقع فإنه لا يقع، لأن القادر لم يختر إيجاده لا لأنه تعالى لم يعلم وقوعه، والعبد قادر في الحالين، فما في هذا مما يقلب العلم جهلاً؟!
  فإن أراد الفقيه أنا لو قدرنا وقوعه لانقلب العلم جهلاً كان هذا سؤالاً غير ما سطره الفقيه، وكان الجواب عنه: أن التقدير في هذا الباب لا يكشف عما يكشف عنه التحقيق؛ لأن وقوع ما علم أنه لا يقع يقدح في العلم بأنه لا يقع، والقدرة على ما علم أنه لا يقع لا يقدح في ذلك، وإنما يكشف عن حالة القادر، وهو أن يقدر على ما وقع منه، وما يمكنه أن يوقعه، على أن هذا لو لزم في القادر من العباد للزم في الباري تعالى؛ لأنه يقال للسائل: ما تقول، هل الله تعالى قادر على ما علم أنه لا يكون أم لا؟