كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث في الأفعال متى تحسن وتقبح]

صفحة 424 - الجزء 2

  الحسن والقبيح أمران إضافيان إلى الأغراض بالنسبة إلى الموافقة والمخالفة».

  فالجواب عنه: أن هذا باطل حيث بينا أن القبائح قبحت لوجوه ترجع إليها فمتى وقعت على تلك الوجوه قبحت، سواء وقعت من قديم أو محدث، كالظلم فإنه قبيح لكونه ظلماً، وهو كونه ضرراً عارياً عن نفع أعظم منه، أو دفع ضرر أعظم منه، أو استحقاق بسبب من جهته، بدليل أن من عرف ضرراً هذه صفته علمه ظلماً، وإنما قبح لكونه ظلماً، فكل من علمه ظلماً علم قبحه، وكذلك الكذب والعبث قَبُحَا لكونهما كذباً وعبثاً، فمن أي فاعل وجدا قبحا؛ فكيف يقول الفقيه بأن القبيح والحسن ثبتا لأجل الغرض، وقد عرفنا أن من علم الفعل ظلماً أو كذباً علم قبحه، وإن لم يعلم الغرض فيه.

  وأيضاً فأكثر القبائح التي تقع من العباد لا تقع إلا لغرض فيجب أن لا تقبح على هذا النمط، وأيضاً فكان يجب أن يقبح الفعل من جهة المظلوم؛ لأنه لا غرض له في أنه يُظْلَم، وأن يحسن من جهة الظالم لأن له في الظلم غرضاً، وهو ما يعتقده من النفع ودفع الضرر، وهذا جمع بين النقيضين؛ لأن الحسن قد يستحق عليه المدح على وجه، والقبيح يستحق به الذم على وجه، فكيف يجتمع في الفعل الواحد جواز استحقاق المدح عليه والذم في وقت واحد، ويتبع ذلك الثواب والعقاب، وذلك كله فاسد.

  وأيضاً فكان يجب على هذا سقوط الأمر والنهي أو يوجبهما معاً؛ لأن المأمور به قد يحسن لغرض يرجع إلى الآمر، وقد لا يحسن لأمر يرجع إلى المأمور، فكان يجب أن يحسن الأمر به من وجه، ويقبح من وجه.

  وكذلك النهي عن الفعل قد يقع عما فيه غرض لمن يطلب فعله فيقبح نهيه، وقد لا يحصل الغرض لمن ينهاه عنه فيحسن نهيه فيكون الفعل حسناً قبيحاً، وكل هذه جهالات فاحشة وأصلها ومنشأها من الملحدة زخرفها ابن الراوندي اللعين وابن زكريا المتطبب وغيرهما من الملحدين، فاستقاها المجبرة من دلائهم