[الكلام في قبح الكذب وجواز المعاريض]
  وإلا فألحنا لي لحناً أعرفه، ولا تَفُتا في أعضاد المسلمين» فجاءا وهم على أخبث حال؛ فلما جاءا قالا: يا رسول الله عضل والقارة، قال المسلمون: ما قالا؟ قال: «ليس إلا ما تحبون».
  ولعل الفقيه لم يقف على كتاب الملاحن لابن دريد والله ما سألته حاجة - يعني شوكة -، والله ما رأيته ضرب ريته، ولا شاهدته شاكياً حامل شكوة، والله ما شاهدت علياً يريد فرساً، والله ما رأيت جعفراً يريد نهراً، والله ما رأيت حسناً ولا حسيناً يريد كثيبين في الدهناء، والله ما ذقت خلاً يريد رجلاً مهزولاً، وإن شئت طريقاً في الرمل ... إلى غير ذلك.
  فلو استعاروا مذهب هذا الفقيه لاستراحوا من هذه التطويلات، وقالوا بجواز الكذب كما قاله؛ لكنهم استخبثوه فتأولوا.
  وقد روي أن رجلاً أتى جعفراً الصادق # وهو في داره، فكره # مقابلته لأمر (ما) فقال لجاريته: متى سألك عني فخطي دائرة وقولي: ليس هو هاهنا؛ فمنعها # عن استعمال الكذب الذي اختاره الفقيه، ودلها على التعريض الذي جعله جواباً للسائل.
  وكذلك فقد روي عن أبي حنيفة | أنه كان قاعداً على باب داره؛ فمر به إنسان يعدو شديداً فسأله عن حاله، فقال: إنه يطلب للقتل ظلماً، فقام أبو حنيفة ثم قعد في الحال؛ فمر به القوم فسألوه عن الرجل؛ فقال: ما مر بي منذ قعدت، ونوى القعدة الأخيرة، وهذا أمر نزه الفقيه أبو حنيفة فيه نفسه عن الكذب، ونزه الإمام # أمته عنه، فكيف يتخذه الفقيه مذهباً يناظر عنه لولا الخذلان، نعوذ بالله منه.
  وأما ما تمم به الموافقة والمخالفة في دلالته على التحسين والتقبيح هنا - فالجواب عنه: ما تقدم من قسمتنا للقبائح، وأن ما قبح منها لما يرجع إليه لم يجز تحسينه لأي فاعل كان، وما قبح لكونه مفسدة في الدين فحكمه يتغير باختلاف