كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في سبب سكوت علي (ع) عن المنازعة]

صفحة 443 - الجزء 2

  ونحن نقول: قصروا عن النظر فيما يجب العلم به من الاستدلال بالنصوص من القرآن الكريم والسنة الشريفة الدالة على إمامته #، ولم يلزمه بذلك مباينة ولا هجران دار، كما لم يتمكن # من إظهار النصوص مع بيان وجه دلالتها⁣(⁣١)؛ فأما إيراد النصوص لفظاً فقد ذكرها # في خبر المناشدة⁣(⁣٢) وما شابهه.


(١) قال ¦ في التعليق: ليس مثلهم ممن [في الأصل: مما] يحتاج إلى بيان وجه الدلالة وهم مشاهدون من أهل اللسان العربي، لا يحتاجون إلى مقدمات وقراءة علوم الاجتهاد عشرين عاماً، بل ما سمعوه ضروري في حقهم، فهذا هنا من الإمام على جهة المسامحة. تمت.

والأولى أن يقال - إن ثبت أن علياً # لم يَحتجَّ عليهم في تلك الحال -: إنهم قد عرفوا دلالة النصوص، لكن أعرضوا عنها لهنات في صدورهم، فوكلهم إلى معرفتهم؛ فلم يحتج إلى بيان ما هم به عارفون. أو: أنه لا ثمرة لاحتجاجه لعلمه بعدم انقيادهم. أو: أنه لو حاجج في مقامات بين العرب أدى إلى الشقاق المؤدي إلى فساد الإسلام مع نجوم الردة.

وقد صرّح علي بمثله في خطبته مثل قوله #: (لولا مخافة الفرقة وأن يبور الدين ... إلخ). وقوله: (بايع الناس أبا بكر، فسمعت وأطعت مخافة أن يعود الناس كفاراً .... إلخ). وقوله: (فرأيت الصبر على [هاتا] أحجى ... إلخ). ولذا لما طالت المدَّة وأخملوا ذكره وصَغَّرُوا عظيم منزلته احتاج إلى البيان يوم الدار، وكان منه المناشدة.

وعلى الجملة فمع ثبوت إمامته بالأدلة، وكذا عصمته، لا بد أن نقطع بأنه قد فعل ما يجب عليه من البيان، وأنه إن ترك في بعض الأوقات فلِحاملٍ، إمَّا لعدم الحاجة إليه مع علمهم، وإمَّا تقيَّة على الإسلام وأهله، فهو باب العلم، وهو أعرف بما تقتضيه الحال والدين من النطق وعدمه.

فأمَّا القول بأنه لم يتمكن من بيان وجه دلالة النصوص فلا معنى له، فإن النصوص متواترة من أول بعثة محمد ÷ إلى موته بحضورهم، وهم بوجه دلالتها أعرف ممن بعدهم، على أنه سيأتي للإمام # في الجزء الثالث عند ذكر حديث العباس وشكايته عند النبيء ÷ من قريش التصريح بمعنى ما ذكرنا من أن علياً وكلهم إلى معرفتهم.

وكذا يأتي له عند استدلاله على أنه ليس كل عمد كبيرة أنه يتفرع عليه عدم الجزم بفسق من تقدم علياً لاحتمال الصغر، فهذا أولى في العذر من تقدير أنهم جهلوا، فافهم ذلك. تمت.

ويأتي للإمام # رواية حديث المناشدة، وفيه قول علي #: (وأيم الله إنكم لتعرفون مَنْ أَولى بالحق وقد سمعتم رسول الله ÷ ووعيتم ما وعيت). رواه الإمام من طريقة صاحب (المحيط). فيكون قول الإمام: «جهلوا» مجاراة لهم، لا على جهة الجزم. تمت.

(٢) سيروي الإمام # خبر المناشدة يوم الدار بإسناده الصحيح في الجزء الرابع من هذا الكتاب.