كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[رواية أحداث السقيفة]

صفحة 456 - الجزء 2

  ذهبت لأبتدئ المنطق، فقال أبو بكر: رويداً حتى أتكلم، ثم انطق بعدها بما أحببت، فنطق، فقال عمر: ما شيء كنت أريد أن أقوله إلا وقد أتى عليه، فقال عبدالله بن عبد الرحمن: فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله بعث محمداً ÷ رسولاً إلى خلقه، وشهيداً على أمته ليعبدوا الله وحده وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، يزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة، وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور، ثم قرأ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}⁣[يونس: ١٨]، وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}⁣[الزمر: ٣]، فغضب العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله الأولين المهاجرين من قومه بتصديقه بالإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف، وعليهم راد؛ فلم يستوحشوا لقلة عددهم، ولسب الناس لهم، واجتماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله في الأرض، وآمن به وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم في ذلك إلا ظالم.

  وأنتم يا معشر الأنصار ممن لا يُنْكَر فضلهم في الدين، وسابقتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصاراً لدينه ولرسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم حل أزواجه وأصحابه، فليس أحد من المهاجرين الأولين عندنا بمثلكم؛ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تفتاتون⁣(⁣١) بالمشورة، ولا يقضى دونكم أمر.

  قال: فقام الحباب بن المنذر، أو قال: فقام المنذر بن الحباب بن الجموح؛ فقال: يا معاشر الأنصار املكوا عليكم أيديكم فإن الناس في فيِّكم وظلكم، ولن يجترئ مجترٍ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رايكم، أنتم أولو العزة


(١) في النهاية: أمثلي يفتات عليه في بناته، هو: افتعل من الفوات السبق، يقال لمن أحدث شيئاً في أمرك دونك: قد افتات عليك فيه. انتهى.