[نكتة في سكوت أمير المؤمنين (ع)]
  من هو أشد منه بغضة إنكارها ولا إسرارها نهاراً.
  وما كان تابعاً لانتصابه وابتزازه الأمر من نصابه، من متابعة أكثر الناس على أمره، وصيرورتهم من تحت يده؛ فذلك لأن اسم الإمامة عظيم وخطبها جسيم، زعامة لا يوازيها زعامة؛ فلما عقد له من يلحق به ما يستحقه عليه، وساعده من حضره من الصحابة عليه، ووطأوا القواعد، وشددوا السواعد، وأخذوا الناس بالجد والحد، وخوفوا أهل بيت النبي ÷ في منازلهم بالحريق والهدم حتى بايع من بايع، وشايع من شايع، وسكن من كان له أن يتحرك وفي العين قذى، وفي القلب شجا، انقلب إليه الناس، واستولى على الأمر، وانتظم له ما أراد، وتم لأعوانه ما تمنوا لنفوسهم بالعود إليهم بعده؛ فما في هذا مما يدل على إمامة أو استحقاق.
  هذا، وقد نرى كثيراً ممن كان محتقراً في الناس خضع له العظماء منهم بعد مدة، وصاروا له أوفى ناصر وأحرز عدة، ولم يدل ذلك للملوك على إمامة، ولا استحقاق زعامة، بل هذه منه قاعدة منهارة من كل جانب، والحمد لله.
  وأما حكايته عن صاحب الرسالة: «وأما قوله [أي القرشي]: وإجماعهم حجة لما في آية الاجتباء(١) فالعجب منك كيف تدعي إجماع قوم لا يعرفون؟».
  ثم قال [الفقيه]: «ولم تنقل عنهم نقلاً صحيحاً على ما ادعيت، ولو نقلت عن بعضهم فيما تريده نقلاً فالكافة مخالفون له».
  فالجواب: أن قولك: لا يعرفون بناء على أصلك واعتقادك فيهم، ومثل قولك هذا قال(٢) من هو أعز منك ناصراً وأكثر جمعاً في علي بن الحسين، قال: من هذا؟ فقيل له - وهو الفرزدق | -:
(١) وهي قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ..} الآية [الحج: ٧٨]، كما سيأتي قريباً. تمت أملاه مولانا أسعده الله.
(٢) يعني به هشام بن عبدالملك المرواني الأموي، والقصة مشهورة.