كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الإمام # على تخاليط فقيه الخارقة في مسألة أفعال العباد]

صفحة 499 - الجزء 2

  وكذلك فإنه يلزم الفقيه في الأفعال المتعدية التي انفرد الله بها ولم يجعل لها تعلقاً بالعبد أصلاً، فإن الأمر والنهي شامل لجميع الأفعال المبتدأ منها والمتولد؛ بل الأفعال التي نطق بها النهي جملة من أفعال الجوارح متعدية كالقتل والسرق والزنا والشرب، وأخذ مال اليتيم وأنواع البهت، وكل هذا قد صرح الفقيه بأنه فعل الله - تعالى عن ذلك.

  وأما تكريره لكلام الشيخ محيي الدين - أيده الله - في الأفعال - فلم يكسر له دليلاً، ولم يهتك له سبيلاً، بل حكى مذهبه وعارض، وسلم وناقض، فيقال له: إذا كان لون السيف والقلم فعل الله تعالى وحركاتهما فعلين له سبحانه؛ فلِمَ تَوَجَّه الأمر والنهي والمدح والذم على الحركتين للضرب والكتابة، ولم يتوجه إلى اللونين؟! والجميع عندك من الله سبحانه وليس للعبد فعل ولا كسب، ولا له تعلق بقدرته ولا اختيار؟ فكيف يقول: أكثر ما في احتجاجه إنما يلزم المجبرة وهو يعني الجهمية؟ ولعمري إنه يلزم المجبرة أجمع وهو أحدهم؛ لأن الدلالة قد شملت الجميع.

  يبين ما ذكرنا ويوضحه: أن جميع ما ذكرنا من هذه الأفعال المبتدأ منها والمتولد يحصل بحسب قُدَرِنا، ولهذا تقل بقلتها وتكثر بكثرتها، فيجب أن يكون كلها فعلاً لنا؛ إذ لو كان المبتدأ فعلنا دون المتولد، لجاز أن يروم أحدنا تحريك ريشة أو قلم فلم يتحرك بأن لا يخلق الله فيه حركته، ويروم أحدنا تحريك الجبال الشاهقة، فيتأتى ذلك بأن يحدث الله تعالى في ذلك الحركات، ومعلوم خلاف ذلك، بل لا يتحرك إلا بمقدار ما في العبد من الحركات سواء كان مما باشره أو مما تعدى محل قدرته، ولهذا فإن الألوان وما جانسها لما لم تعلق بقدرة العبد، لم يفترق الحال بين ما كان في محل القدرة وحيز الإنسان، وبين ما كان مبايناً له في أنه لا يتأتى منه فعله أو تركه.

  فقد ظهر لك بما قد ذكرنا تعلق الأفعال بالعباد أو العود إلى مذهب جهم،