[الكلام في المراسيل]
  وكذلك فإن المحكيّ أن النعمان بن بشير لم يسمع من النبي ÷ إلا حديثاً واحداً، فلا بد أن يكون باقي ما رواه مرسلاً، ولم يعلم منه إسناد.
  وكذلك في رواية أبي هريرة عن النبي ÷: «من أصبح جنباً فلا صوم له»، فلما سُئل عنه قال: أخبرني به الفضل بن العباس.
  وقال ابن عمر: قال رسول الله ÷: «من شيّع جنازة فله قيراط من الأجر، ومن مكث إلى أن يدفن الميت كان له قيراطان»، ثم قال بعد ذلك: سمعته عن أبي هريرة، عن البراء.
  وهذا قد ظهر من البعض ولم ينكره البعض، وهذا معنى الإجماع كما ذكرنا في قبول أخبار الآحاد، ولو تتبعنا التابعين لكان الحال أظهر، ولأن الظاهر من حال أهل كل عصر إلى يومنا ما ذكرنا من قبول مراسيل الثقات الذين يعلم من حالهم أنهم لا يروون عن رسول الله ÷ إلا ما يجوز لهم روايته مما صحّ عنه بطريق شرعي؛ فإن نازع الخصم خصمه قال: قال رسول الله ÷، وإن اسْتُفْتي أفتى وقال: قال رسول الله ÷، كما روى ابن عباس حديث الصرف، وحديث قطع التلبية، وكانوا لا يردون الحديث إلا أن يرجح عليه حديث آخر؛ لأن حديث أسامة مجمل وحديث أبي سعيد وعبادة فيه ضرب من التفصيل، والتفصيل أولى من التجميل في باب الأخبار، فيتأول حديث أسامة أن المراد به عند اختلاف الجنسين.
  وكذلك ترجيح حديث زوجات النبي ÷ في باب الجنابة أولى مما روي عن الفضل بن العباس؛ لأنهنّ أعلم بهذا الشأن.
  وقد رجّح بعض أهل العلم المرسل من أهل الورع على المسند؛ لأنه إذا أرسل فقد قطع بصحته؛ لأنه لا يجتزي بقول: قال رسول الله ÷ - إلا فيما قطع على صحته، وإذا أسند فقد تخلّص عن العهدة إلى من روى عنه، ولهذا قال الشعبي: حدثني الحارث - وكان كذاباً - لما لم يثق به صرّح بذكره، وقال سفيان: