[جواب الإمام # على تخاليط فقيه الخارقة في مسألة أفعال العباد]
  واحد منهما، وصار ذلك في ضرب المثال يشابه قول القائل: لا أدخل الدار حتى أدخل المسجد، ولا أدخل المسجد حتى أدخل الدار؛ فإنه متى صدق في وعده وكلامه لا يدخل الدار ولا المسجد؛ كذلك هاهنا.
  ولهذه العلة منعنا من الاستدلال على مسألة خلق الأفعال على سبيل الابتداء بالسمع؛ فإن ذكرنا شيئاً من ذلك كان على طريق التأكيد أو على وجه التعريف
= فقد توقف العلم بأنه يفعل القبيح على العلم بأنه لا يفعل القبيح؛ من حيث توقفه على الإجماع، والإجماع متوقف العلم بمتعلقه على السمع، والسمع متوقف على أنه تعالى حكيم.
وكذا توقف العلم بأنه لا يفعل القبيح على العلم بأنه يفعله؛ لأنا لما علمناه بالإجماع، علمنا أنه تعالى لا يفعل القبيح؛ إذ لا يعلم بالإجماع حكم إلا ويعلم أنه لا يفعل، فقد توقف كل من الأمرين على الآخر، هذا ما أمكن من توجيه كلام الإمام # لمَّا جعله من دور التساند.
نعم؛ ويمكن أن يجاب على الفقيه: بأنه يلزم توقف وجود الشيء على عدمه، وذلك أنه احتج بالإجماع على أن الأفعال كلها من الله تعالى، ومن جملتها الأفعال القبيحة، من الكذب والتلبيس وتصديق الكاذب، وقد ثبت توقف الإجماع على السمع، وصدق السمع على ثبوت الصانع، وأنه لا يكذب، ولا يصدق الكاذب؛ وإلاَّ لم يحصل ثقة بصدق السمع، فيكون الإجماع قد دل على أن الفعل القبيح من الله، وهو متوقف على أن الله لا يفعل القبيح؛ لأن المتوقف على المتوقف على شيءٍ متوقف على ذلك الشيء.
فقد توقف وجود الأفعال القبيحة على عدمها، وهو محال.
وهذا الجواب أولى من الأول؛ لأنه يرد عليه أنها اختلفت جهة التوقف.
فتَوَقُّفُ العلم بأنه تعالى يفعل القبيح على العلم بأنه لا يفعل القبيح من حيث حصوله.
وتَوَقف العكس من حيث العلم بحصوله لا من حيث حصوله؛ فإن حصول العلم بأنه تعالى لا يفعل القبيح ثابت بدليل العقل، لا بالعلم بأنه تعالى يفعل القبيح، لكن العلم هذا ينبني بحصول العلم ذاك، ومثل هذا لا يضر.
نظير ذلك أن المسبب يتوقف حصوله على حصول سببه، والسبب يتوقف العلم به على العلم بمسَبَّبه كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، فأشار تعالى إلى أن الفساد يدل على التعدد، وعدم الفساد يدل على عدم التعدد، فقد توقف العلم بالتعدد على العلم بمسببه، وهو الفساد، مع أنه متوقف حصول الفساد على سببه ولا محذور لاختلاف الجهة. انتهى من خط والدنا علامة الآل حسن بن حسين الحوثي جزاه الله خيراً. اهـ (هامش نخ).