[استدلال الفقيه في أفعال العباد بالعقل والشرع وتفنيد الإمام (ع) لكلامه]
  التعلق بالآية، وإن أراد به أمراً آخراً فيقال: من خلقه؟ فإن كان العبد فقد جعل العبد فاعلاً، وإن قال الله؛ فقد أضاف الفعل إلى الله من طريقين، فكان أعظم قبحاً، وأشد فساداً من جهم بن صفوان.
  وأما قوله: «وفي القرآن مما يدل على ما ذكرنا كثير».
  فلا شك أن في القرآن الكريم المحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمجمل والمبين، والجميع يغرف من بحره؛ لكن الشأن هو النظر فيمن لا يعتقد ما يمنعه من الاستدلال بالقرآن إما بأن يمنع من كونه كلاماً لله سبحانه، وإما بأن يمنع من صحة الاستدلال به إلا بالخروج من مذهبه الفاسد على ما قدمنا ذلك في مواضعه.
  وأما قوله: «وأما ما يدل من جهة العقل على ما ذكرنا فكثير لكنا نذكر ما يحتمل الحال هاهنا، فنقول: قد ثبت وتقرر أن صفة الحدوث في كل محدث من الجواهر والأعراض على اختلاف أجناسها صفة متساوية غير مختلفة ولا متزايدة، ولذلك لم يجز أن يقال: إن الحدوث في بعض الذوات أحدث أو أشد حدوثاً، أو حدوث بعض المحدثات مخالف لحدوث غير ذلك المحدث، وهو عند مخالفنا إخراج الشيء من العدم إلى الوجود فقط، وهو عندنا جعل الذات ذاتاً وشيئاً ونفساً وحركةً وسكوناً بعد أن لم يكن كذلك، وهو حكم متساوٍ في جميع الذوات؛ فلو كان العبد والحيوان القادر يقدر بقدرته على إحداث الحركات والسكنات والعلوم والإرادات والفكر والنظر والاعتقادات وغيرها من الأجناس المقدورة للعباد لوجب أن تتعلق قدرته بإحداث سائر الأجناس من الجواهر والأجسام والألوان على اختلافها والطعوم والروائح، وعلى إحداث الحياة والموت، وعلى كل شيء يصح حدوثه؛ لأن حدوث أحد الحدوثين في معنى حدوث الآخر، وهو غير مختلف ولا متزايد في بعض الذوات دون غيرها؛ فلو قدر على إحداث بعضها لوجب أن يقدر على إحداث سائرها.