[بحث حول القدرة ومتعلقاتها]
  ثم قال: «دليل آخر لا خلاف أن الله ø قادر على خلق الحركة في الجسم قبل أن يخلق في الجسم القدرة على الحركة، وكذلك سائر مقدورات العباد، ولا يخلو بعد خلق القدرة للعبد من أحد أمرين: إما أن يكون قادراً على المقدور الذي كان قادراً عليه قبل ذلك، أو غير قادر، ويبطل أن يكون غير قادر؛ لأن هذا يوجب أن يكون العبد قد منع خالقه عما كان يقدر عليه فيصير كما قيل في المثل: أدخلْنِي أخرجك.
  وإذا بطل هذا القسم صح أنه قادر على ما كان قادراً عليه، وإذا ثبت كون مقدور العبد مقدوراً لله سبحانه، فكل ما هو مقدور لله تعالى فهو محدثه وخالقه؛ إذ يستحيل أن ينفرد العبد باختراع ما هو مقدور لله تعالى».
  والجواب: أنه بنى سؤاله على أن ما يقدر عليه قادر يصح أن يقدر عليه غيره من القادرين سواء كان خالقاً أو مخلوقاً، وقد بينا بطلانه من حيث قلنا: إنه يؤدي إلى صحة وجوده وعدمه في وقت واحد وهو محال.
  وإنما نقول: ما قدر عليه تعالى يستحيل أن تتعلق قدرة العبد بعينه(١)، وإن
(١) قال ¦ في التعليق: فما تعلقت قدرة الباري به يستحيل تعلق قدرة العبد بعينه، بل والعكس. فلعلَّه يقال على الفقيه: قولك: لا خلاف أن الله قادر على خلق الحركة في الجسم قبل أن يخلق فيه القدرة على الحركة ... إلخ - إن أردت أنه قادر على جنس الحركة المقدورة للجسم لا على عينها فهو حق، لكنه لا يفيدك ما تطلبه.
وإن أردت أنه قادر على التي يقدر عليها الجسم بعينها فهو مؤدٍّ إلى التمانع وهو من المحال، فلا تَعلَّقُ قدرةُ الباري به، وأنه بمثابة ما لو قيل: الله قادر على إيجاد الموجود، فكما لا يصح هذا لكونه محالاً، وليس من متعلقات القدرة؛ فكذا مقدور الجسم المتعين من حيث تعلقت قدرته به، ولا محذور فيه.
فما أوجده الله من أفعاله فَزَمَنُ وجوده لا يصح أن يَقْدِر عليه فيه، فكما أنه لا يصح أن يقال مَنَعَ خَالقه، أو أن الله منع نفسه من أن يقدر عليه، فكذا فيما قدر عليه الجسم لا محذور فيه.
فلا يقال: مَنَعَ خَالِقه، لمَّا حصل ما يمنع من تعلق القدرة به - فيما صح من الجسم، وما وجد من الله؛ لتأديته إلى التمانع في الأول، ومنع الوجود واضح في الثاني؛ فلا تعلق لقدرة قادرٍ به، وإن كان =