كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الفقيه على القرشي في الإرادة]

صفحة 548 - الجزء 2

  غير أنه يقال له ولمن قال بهذه المقالة: إذا كان الله تعالى يريد الواقع من الأفعال طاعة أو معصية، وكان الشيطان يريد الواقع من المعاصي أيضاً، وكان النبي ÷ يريد من العباد أجمع طاعة الله تعالى وتصديق رسله فيما جاءوا وإن لم يقع منهم ذلك، ويكره المعاصي وتكذيب أنبياء الله - فقد تطابقت إرادة الله تعالى وإرادة الشيطان الرجيم، واختلفت إرادة الله تعالى وإرادة الرسول ÷، وكان من وقع منه الكفر والتكذيب للرسل $ يسمى مطيعاً لله تعالى على هذا الموضوع؛ لأن المطيع من فَعَلَ ما أراده المُطَاع إذا كان أعلى منه، ولهذا فإن الأمر لا يتميز عن التهديد إلا بالإرادة؛ لأن صيغتها وهي صيغة (افعل) واحدة، وكان من خالفه يسمى عاصياً لغة وشرعاً قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣}⁣[النور]، وهو سبحانه لا يتوعد إلا على فعل المعصية أو ترك الطاعة، وقال الشاعر:

  أمرتك أمراً حازماً فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادماً

  وقد كان النبي ÷ كارهاً لما وقع من المعاصي بلا شك، فلو كانت طاعة على هذا الموضوع كان قد كره ما أراده الله، ووصف بأنه عاص لله تعالى بذلك، إلى غير ذلك مما يلزم من الجهالات، ويؤدي إليه من الضلالات».

[جواب الفقيه على القرشي في الإرادة]

  ثم قال [الفقيه]: «والجواب عن هذه الجملة وبالله التوفيق: أما قوله [أي القرشي]: إن مذهب أهل البيت $ ومن طابقهم من علماء الإسلام إن الله تعالى يريد جميع أفعاله الواقعة على الوجوه التي تؤثر فيها الإرادة، ويريد من أفعال عباده الطاعات التي أمرهم بها ما وقع منها وما لم يقع - فقوله هذا وخصوصه بأن الله تعالى لا يريد إلا الطاعات فقط، وأن الآدمي يريد الطاعات والمعاصي يؤدي إلى أن الله تعالى يريد شيئاً فلا يوجد، ويريد الآدمي شيئاً فيوجد، وأن الآدمي بعجزه وضعفه أمضى مشيئة من ذي العزة والجلال.