[جواب الإمام # على الفقيه وتوضيح قياس الشاهد على الغائب وغير ذلك]
  أحدها: الجمع بين الشاهد والغائب بالعلة الجامعة بينهما، مثاله استدلالنا على أن المحدَث يحتاج إلى محدِث، والعلة في حاجته إلى محدِث هي حدوثه، هذا في الشاهد، وبينا أن أفعالنا محتاجة إلينا؛ لأنها تقف على أحوالنا وتحصل بحسب قدرنا بخلاف ألواننا وصورنا.
  ثم قلنا: وإنما احتاجت إلينا لحدوثها لأنها في حال العدم وحال البقاء لا تحتاج إلينا؛ لأنها كانت معدومة ونحن معدومون وقد تبقى وإن خرج أحدنا عن كونه قادراً، فإذا بطل الوجهان كانت حاجتها إلينا لأجل حدوثها؛ إذ لو بطل هذا مع الأولين خرجت عن الحاجة إلينا، فثبت أن العلة في حاجتها إلينا هي حدوثها، وقد شاركها الأجسام في الحدوث، وهي العلة في الحاجة إلى المحدث فيجب أن تحتاج إلى محدث كما احتاجت أفعالنا إليه، وإلا انتقض أن يكون علة الحاجة إلى المحدِث هي الحدوث، فهذا جمع بين الشاهد والغائب بالاشتراك في العلة.
  ويفارق هذا استدلال الملحد على نفي الصانع بقوله: لم أجد فرعاً إلا من أصل، ولا ولداً إلا من ذكر وأنثى، ولا ثمراً إلا من شجرة، ولا طائراً إلا من بيضة، ولا بيضة إلا من طائر، ولا أخبرنا مخبر بخلاف ذلك؛ فيجب أن يكون هذا أزلاً وأبداً، وأن لا يكون للعالم صانع أصلاً، وكان موضع غلطه أنه عوّل على ما يعرف من نفسه بقوله: لم أجد فرعاً إلا من أصل، فقاس الغائب على الشاهد بما وجد هو من غير طريقة جامعة، وهو فإن لم يجد فغيره قد وجد إما مشاهدة وإما بدلالة؛ لأن قصارى قوله: لم أجد، هو إخبار عن مبلغه من العلم ولا يكون قصور علمه حجة على غيره.
  والثاني من الوجوه الرابطة بين الشاهد والغائب: هو الجمع بينهما بما يجري مجرى العلة، مثاله استدلالنا أن أحدنا مريد لوقوع أفعاله على الوجوه المختلفة، نحو كون صيغة (افعل) أمراً وتهديداً مع أن اللفظة واحدة وهي (افعل) فلو قال أحدنا لغلامه: ناولني الكتاب مثلاً وبين يديه إناء يخشى أن