كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الإمام # على الفقيه وتوضيح قياس الشاهد على الغائب وغير ذلك]

صفحة 553 - الجزء 2

  الانتشار وابتغاء الفضل والاصطياد بعد الإحلال إباحة، وفي الاستفزاز تهديد لمقارنة الكراهة لذلك، ولم يكن الوجه في ذلك إلا كونه مريداً للبعض، وكارهاً للبعض، مبيحاً للبعض.

  فهذا معنى اختلاف وجوه أفعاله تعالى؛ فوجب أن يدل على كونه مريداً لمشاركة الغائب للشاهد فيما يجري مجرى العلة.

  والثالث من الوجوه الجامعة بين الشاهد والغائب: مثل استدلالنا على أن الله تعالى قادر بصحة الفعل منه وتعذره على غيره، وكذلك كونه عالماً وحياً وموجوداً؛ لما علمنا أن من صح منه الفعل في الشاهد يجب أن يتميز على من تعذر عليه، ويكون من صح منه الفعل قادراً لأجل ما صح منه وتعذر على الآخر، وهذا الوجه قد وجد في أفعال الله سبحانه؛ فإنه صح منه من الأفعال ما يتعذر على غيره، فيدل على أنه قادر.

  وكذلك إحكام الفعل يدل على كونه عالماً، وصحة هاتين الصفتين يدل على كونه حياً كما في الشاهد؛ لاشتراك الجميع في طريقة الحكم، والطريقة هي صحة الفعل، والحكم هو كونه قادراً.

  والرابع من الوجوه الجامعة بين الشاهد والغائب: هو أن يثبت في الشاهد لوجه ويثبت في الغائب أقوى من ذلك الوجه، مثاله: حسن التكليف فإن الواحد منا يحسن منه أن يتحمل المشاق طلباً للعلوم والأرباح، ويحمل ولده المشقة لما يرجو من نفع التعليم وغيره، مع أنما يرجوه من النفع مظنون الحصول وقليل البقاء بعد الحصول، وغير خال من الشوائب، وهو غير قاطع على الحياة لينتفع به؛ فإذا ثبت حسن هذا الفعل وقد كلف الله عباده وعرضهم لمنافع معلومة غير مظنونة دائمة غير منقطعة، خالصة غير مشوبة بما ينغصها، ويبقى المكلف منتفعاً بها لا يموت ولا يضعف؛ فإذا كان ذلك التحمل للمشقة حسناً لما يرجوه مما ذكرناه أولاً - فأولى أن يحسن من الله تعالى تكليف عباده لما ذكرنا؛