[جواب الإمام # على الفقيه وتوضيح قياس الشاهد على الغائب وغير ذلك]
  لأن الوجه الذي حسن من العبد تحمل المشقة وتحميلها ولده قد ثبت في أفعال الله تعالى بما هو أوفى منه كما ذكرنا.
  مثال ثانٍ: وهو أن أحدنا إذا كان عالماً بقبح القبيح، وغنياً عن فعله، وعالماً بأنه غني عنه؛ فإنه لا يفعله؛ لأنه لا داعي له إليه؛ لأن الذي يدعو إلى القبيح إما الجهل بقبحه، أو الجهل بالغنى عنه، أو الحاجة الملجئة إليه، فمتى زالت هذه الأمور لم يختر العاقل منا القبيح، كما إذا قيل له: إن صدقت أعطيناك ديناراً، وإن كذبت أعطيناك ديناراً؛ فإنه لا يختار الكذب على الصدق، وإنما لا يختاره لعلمه بقبح الكذب وبغناه عنه.
  وإذا ثبت ذلك فالله سبحانه أعلم العلماء بقبح القبائح، وأغنى الأغنياء عن فعلها، وأعلمهم بغناه؛ فكان بطريقة الأولى أن لا يفعل شيئاً منها، فهذه هي الوجوه الرابطة بين الشاهد والغائب، وليس منها ما يقتضي تشبيهاً لله تعالى بخلقه.
  وإنما الذي يقتضي التشبيه الجمع بمجرد الوجدان من غير وجه جامع، مثاله ما ذكرنا من طريقة من ينفي الصانع وتأويله على قوله: لم أجد فرعاً إلا من أصل، ويصير بمثابة استدلال الزنجي بقوله: كل من في الدنيا أسود لأني لم أجد إلا أسود؛ فلا شك في أنه لم يجد إلا أسود، ولكن لا يجب أن يكون ما لم يجد مثل ما وجد إلا بوجه جامع، كذلك هاهنا.
  وإنما الذي يلزم عليه التشبيه فهي طريقة المجسمة وهو قوله: إن البارئ تعالى جسم؛ لأني لم أجد في الشاهد صانعاً إلا وهو جسم، فسلك هذا مسلك من ذكرنا ممن غلط في الاستدلال ولم يمكنه أن يعلل بعلة رابطة بين الشاهد والغائب كما قلنا؛ لأنه لو أراد ذلك لكان يقول الفاعل في الشاهد لم يكن فاعلاً من حيث كان جسماً؛ لأن كثيراً من الأجسام غير فاعل مع أنه جسم؛ فبطل أن تكون علة كونه فاعلاً هي أنه جسم.
  ويوضح ما ذكرنا: صحة ما ادعيناه من الجمع بين الشاهد والغائب من