[الكلام في معنى أمر الله إبراهيم (ع) بذبح ولده]
  تهديد، فهو عما بعد ذلك أشد جهلاً، بل العقلاء يعرفون بعقولهم مقاصد المخاطبين، والفرق بين من يأمر، وبين من يتهدد كما يفرقون بين من يمدح غيره، وبين من يهزأ به؛ فمتى تقرر ما ذكرنا لم يجز أن يقول: إن الله تعالى أمر بما لا يريده؛ لأنه يكون مناقضاً من جهة المعنى على ما قدمنا بيانه، ولأنا نقول له: افرق بين الأمر والتهديد، فلا يمكنه ذلك إلا بما قلنا.
  وأما قوله: «واتفق عليه سلف الأمة» - فلعله سمى من يعرف من أشياخه في هذه المسألة سلفاً، وأما الصحابة والتابعون فعقولهم أرجح من أن يقولوا بذلك، وأن من ادعى عليهم ذلك يكون مدعياً لما لا صحة له؛ فإن كان عنده من العلم من السلف الصالح ذخيرة أو عن واحد من مشاهيرهم، وهو أن تعالى يأمر بما لا يريد فلا غنى من المشاركة بهذه الهدية، لكن إذا أتاك المحال على يدي الثقة فلا تصدقه.
[الكلام في معنى أمر الله إبراهيم (ع) بذبح ولده]
  وأما قوله: «وقد ورد القرآن بأن الله تعالى أمر بما لا يريد، وذلك أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام بذبح ابنه ولم يرد ذلك منه بل نهاه عنه بعد أمره به».
  فالجواب: أن ظاهر الآية يقتضي أنه رأى في المنام أنه يذبحه، فمن أين أن ذلك أمر من الله تعالى وقد يرى في المنام ذلك وغيره، بل الظاهر في ما هذا حاله أن لا يقطع على أنه أمر من الله تعالى في الحقيقة إلا بمقدمة يعلم بها من هذا حاله؛ فلا يصح تعلقهم في الظاهر.
  ومتى قالوا: قد علمنا بغير الظاهر أنه أمر من الله؛ فقد خرجوا عن ظاهر الآية، ودخلوا في باب التأويل معنا.
  فنقول: أنه تعالى ذكر الذبح وأراد به مقدماته من الإضجاع وإجراء المدية؛ لأن فاعل ذلك من حيث يقرب إلى أن يكون ذابحاً يوصف بهذه الصفة، كما قيل