[الكلام في معنى أمر الله إبراهيم (ع) بذبح ولده]
  في مقدمات الموت من المرض المخوف إنه موت فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة: ١٨٠]، وقد علمنا أن الوصية لا تكون منه مع وقوع الموت.
  وقوله تعالى من بعد: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}[الصافات: ١٠٥]، ولما يقع الذبح وإنما فعل ما قلنا، يدل على أن المراد بالكلام ما قلناه، وإذا صح ذلك وقد فعل إبراهيم # ما أمر به وأريد منه، وثبت أن الذبح الذي لم يفعله ليس بداخل في ما أمر به ولا فيما أُريد منه، بطل تعلقهم بالظاهر.
  ولما صح أنه أمر # بمقدمة الذبح لا بنفس الذبح وسمي ذبحاً كما قدمنا من تسمية المرض المخوف موتاً من حيث كان سبباً له فيقال: حضره الموت، وكذلك لما غلب على ظن إبراهيم # أنه يؤمر بالذبح عند أمر الله تعالى له بمقدماته فكان ذلك عنده كالسبب، جاز أن يقال: أمر بالذبح على سبيل المجاز.
  وصورة الحال أنه رأى في المنام أنه يضجع إسماعيل ويجري الشفرة على حلقه معتمداً كما يفعله الذابح فظن ذلك ذبحاً لجريان العادة به، وقد فعل # كل ما رأى أنه أمر به من تله # للجبين، وأجرى على حلقه السكين، وصدق الرؤيا التي أراه رب العالمين.
  يبين ذلك: أنه لو أمره بالذبح لكان لا يجوز أن يدفع عنه قبل وقت الفعل؛ لأن ذلك يكون بداء(١) ولا يجوز على الله ذلك؛ لأن البداء يجوز على من لم يعلم الشيء على ما هو عليه فيظهر له ما كان خافياً، فلهذا يبدو له عما أمر أو نهى.
  فأما من لا يجوز عليه الجهل بشيء من الأشياء فلا يجوز عليه البداء، وبهذا فرقنا عند مكالمة اليهود بين النسخ والبداء.
  على أن قوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}[الصافات: ١٠٥]، يدل على ما ذكرنا كما
(١) قال ¦ في التعليق: هذا حيث كان قبل إمكان الفعل، وأمَّا إذا كان موسعاً فلا مانع من رفعه قبل حصوله؛ إذ التمكن يدفع لزوم البداء كما تقرر في أصول الفقه.