كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في أن إرادة القبيح قبيحة]

صفحة 560 - الجزء 2

  المصلحة في أن يخاطب نبيئه ÷ وقد كان ذلك، وإن⁣(⁣١) لم يسقط حكم ذلك إلا بالمراجعة في ذلك.

  وأما قوله: «بل قد يوجد في الشاهد أن الحكيم يأمر بما لا يريد؛ فلو أن رجلاً شكا عصيان عبده إلى بعض الملوك بأنه لا يطيعه فيما أمره به، ثم أراد من الملك إحضاره له ليعلم صدقه من كذبه فلما أحضره أمره بأمر فلم يطعه، ولا يخفى أنه ليس بمقصوده به امتثال أمره؛ لأن ذلك يؤدي إلى تكذيبه نفسه فيما أخبر به الملك، وإنما مقصوده إظهار خلافه وتصديقه في قوله، ولا يكون بذلك سفيهاً ولا فعله مناقضاً للحكمة؛ فكذلك هذا مثله».

  فالجواب: أن ما قاله السيد لعبده في هذه الصورة التي ذكرها لا يكون أمراً حقيقة، وإن كان لفظه لفظ الأمر؛ لما قدمنا أن الأمر هو قول القائل لغيره (إفعل) أو لمن دونه (إفعل) مع إرادة الآمر المأمور به؛ فمتى لم يرد ما تعلقت به صيغة (إفعل) لم يسم أمراً كما مثلنا ذلك فيما سبق من قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}⁣[الإسراء: ٦٤]، فإنه ليس بأمر بالاستفزاز، ولهذا عقبه بالذم على ما تعلقت به لفظة (إفعل) فقال تعالى: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ٦٤}⁣[الإسراء]، والذم لا يتعلق بامتثال ما أمر به الآمر بل يتعلق الذم بمخالفة الأمر، ويسمى من ترك ما أمر به عاصياً كما قدمنا من بيت الشعر وشبهه، والخطاب لا يرجع فيه بعد العرف والشرع إلا إلى اللغة، فكيف يعد ذلك أمراً مع كراهة الفعل، بل هذا عكس القضية عند أهل اللسان.

[الكلام في أن إرادة القبيح قبيحة]

  وأما قوله [أي القرشي]: الذي يدل على الثاني أن إرادة القبيح قبيحة فيما نعلمه في الشاهد من قبح الإرادة المتعلقة بالقبيح ... إلى آخر كلامه. ثم قال [أي: الفقيه]: «فقد دللنا على الفرق بين أفعال الله تعالى، وأفعال خلقه، وألزمناه إلزاماً


(١) وأن لا (نخ).