كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في أن إرادة القبيح قبيحة]

صفحة 562 - الجزء 2

  الشاهد والغائب، وبينا صحتها وحكينا أمثلتها بما لا يمكن دفعه لمن تكلم في علم الأصول، بل لا غنى عنه لمن أراد الكلام في ذلك، وحكينا أنها وجوه أربعة، وهي: الجمع بالعلة، وبما يجري مجرى العلة، وبطريقة الحكم، وبطريقة الأولى، وحكينا مع ذلك الطرق الفاسدة في الاستدلال بالشاهد على الغائب، وحكينا أمثلتها، وذكرنا بعض القائلين بها، وبينا وجه فساد فاسدها، ومن أين وقع غلط من رام الاستدلال بها، وكثير من هذه الطرق الفاسدة ذكرها الفقيه في هذا الموضع واقتصر عليها، وجعل سائر ما يستدل بالشاهد على الغائب باباً واحداً من الفساد، وذلك منه جهل بالفرق بين الصحيح والفاسد، والمستقيم والمائد، على أنه وكل من تكلم في علم الأصول لا يجد من ذلك بداً، فإنه عند الإلزام يرجع إلى الشاهد وفي بيان أن ما قاله مخالفه يرجع إلى الشاهد وإلى أحوال العقلاء ولو كانت المسألة مما تتعلق بالتوحيد أو العدل أو مما ينبني عليهما.

  وأما قوله: «وكذلك هذا الرجل القدرية وفرقته قالوا: إن الله تعالى لا يريد من أفعال العباد القبائح والمعاصي لأنه لو أرادها لكان سفيهاً؛ لأن مريد ذلك منا سفيه».

  فالجواب: أنه أهمل الطريقة التي يجمع فيها بين الشاهد والغائب وهي العلة؛ لأن الذي لأجله قبحت إرادة القبيح في الشاهد هي أنها إرادة له، فلو وجدت هذه العلة في الغائب وهي إرادة القبيح كانت قبيحة؛ لأن العلة أينما ثبتت وجب حكمها، وإلا خرجت عن كونها علة، مثاله في الشاهد: أن الطبيب لو قال للعليل: حرمت عليك العسل لأنه يضرك لكونه حلواً لكنا نفهم أن وجه المضرة في العسل حلاوته فلو أباح له أكل السكر لكان مناقضاً في التعليل؛ لأن علة المضرة هي الحلاوة والحلاوة ثابتة في السكر ثباتها في العسل.

  وهكذا لو قال: العلة في تحرك الجسم وجود الحركة فيه ثم أثبت حركة لا يكون الجسم متحركاً بها مع وجودها فيه لكان مناقضاً ومخرجاً للحركة من أن