[حسن التكليف ووجهه والرد على شبه الفقيه]
[حسن التكليف ووجهه والرد على شبه الفقيه]
  وأما قوله: «مثال آخر: ما قولكم في حكيم من حكمائنا يحب نفع رجلٍ وصلاحه، فقال له: إني أريد نفعك وصلاحك فعليك بتعلم الصنعة الفلانية؛ فإنك تصل بها إلى نعيم عظيم، وتصير إلى درجة كبيرة ولا نفع لي إن تعلمتها، ولا ضرر عليّ إن لم تفعلها؛ لكني أريد تعريضك للمنفعة؛ فوجده بعد مدة ولم يفعل شيئاً مما أمره به فاستدعى الحدادين، وأمر به إلى الحبس ثم أمر بالنار فأوقدت وأجلسه فيها وأمر بتقطيعه بالمقاريض، وقال: أنت الذي أمرتك بصنعة عرضتك فيها للمنفعة فلم تفعلها؛ فإن كل عاقل يستقبح ذلك غاية القبح، والله تعالى كلف العباد الطاعة لمصلحتهم حتى يصلوا بها إلى أعلى الدرجات من الثواب، ثم أخبر أنهم إن لم ينفعوا أنفسهم عاقبهم أبد الآبدين بأشد العقوبات».
  فالجواب: أن هذا المثال لا يطابق تكليف الله تعالى لعباده وتعذيب من عصى منهم؛ لأن العبد لم يستحق العقاب من الله تعالى من حيث إنه لم ينفع نفسه؛ لأن ذلك يؤدي إلى استحقاق العقاب على ترك النوافل، وهذا لا يجوز، وإنما يستحق العقاب لأجل أنه أتى بالقبيح الذي منع منه العقل والشرع، وأخل بالواجب، وقد ثبت أن الذم يستحق في الشاهد على هذين الوجهين، وإن أضر ذلك بالمذموم لا لأنه لم ينفع نفسه؛ لكن لإقدامه على فعل القبيح، وتركه للواجب؛ فكذلك القول في العقاب الذي يفعله الله تعالى بالمكلف؛ لأن المثبت للذم هو الموجب للعقاب فيستحقان معاً، ويزولان معاً، ويستحقان على وجه واحد والمسقط لهما واحد؛ فبطل ما توهمه في سؤاله من أن العقاب كان على أنه لم ينفع نفسه بتعلم الصنعة وأن الفرق بين المثال وتكليف الله للعباد بما ذكرنا، وهذا بين لمن أنصف.
  ألا ترى أن العقلاء لا اختلاف بينهم في حسن إكمال العقل والآلة والحياة إلى