كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حسن التكليف ووجهه والرد على شبه الفقيه]

صفحة 571 - الجزء 2

  غير ذلك من النعم، وأن أصل ذلك العقل ولا اختلاف في وجوب شكر المنعم وقضاء الدين، ورد الوديعة عند جميع العقلاء؛ فمتى وجبت هذه الواجبات وكان من الأفعال مما يقرب منها وجب لوجوبها ولما كانت هذه الواجبات الشرعية لطفاً في الواجبات العقلية وجب في حكمة الحكيم أن يتعبد بها.

  وأما قوله: «مثال آخر: أخبرونا عن رجل حكيم له عبد محتاج جائع وللسيد من الأموال وأنواع الأطعمة الكثيرة ما يأكل منها أنواع الحيوانات، ولا يبين فيها النقص وله مع ذلك فضل عظيم وجود عميم على الناس والحيوانات فجاءه عبده فقال: أنا محتاج إلى الطعام وأنا مملوكك فأطعمني؛ فقال: لا أطعمك حتى تنقل كل يوم مائة زنبيل حجار من أحد هذين الجبلين إلى الجبل الآخر؛ فقال له: ألك في نقل هذه الحجار منفعة؟ فقال: لا، ولكني أريد أن تكون هذه المنفعة عوضاً؛ فقال: فأنا استضر بذلك، وأنت لا تنتفع به ويحسن منك التفضل بهذه المنفعة، وقد تفضلت بأمثال ذلك على كثير من الحيوانات، فقال: لا أعطيك حتى تفعل ما قلته أو تسقي كل يوم مائة دلو من إحدى هاتين البئرين وتصبه في الأخرى حتى تأخذ ما تأخذه عوضاً على المشقة التي دخلت عليك هل يكون فاعل هذا حكيماً فكل العقلاء يقولون: هذا عابث؛ فقبح.

  وقد علمتم أن الله تعالى كلف العباد أنواعاً من التكليفات الشاقة من غير أن تكون له فيها منفعة ولا دفع مضرة بل هو ضرر محض على المكلفين ولا يطعمهم من طعام الجنة حتى يسلموا أنفسهم للقتل ويعذبوها بالجوع والعطش وقد تفضل بالجنة على الأطفال والمجانين».

  فالجواب: أن مثاله هذا لا يليق بتكليف الله تعالى لعباده، لأن الله تعال قد أنعم على كافة خلقه بضروب من النعم التي لا تحصى عدداً، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ٣٤}⁣[إبراهيم]، وما كان من النعم يمكن إيصاله إلى العباد من غير مشقة، ولا غرض في إنزال المشقة