[دعوى الفقيه أن الله فاعل بمعنى وأن العبد فاعل بمعنى آخر والرد عليها]
  بقدرة فإن محل القدرة يسمى فاعلاً، كيفما كان الارتباط، كما يسمى الأمير قاتلاً؛ لأن القتل ارتبط بقدرتيهما، ولكن على وجهين مختلفين، فلذلك يسمى فعلاً لهما، وكذلك ارتباط المقدور بين القادرين، وهذا بين واضح لمن تأمله».
  فالجواب: أن كلامه هذا من جملة الهذيان البين، الذي ما يعلم أنه سبقه إليه إنسان؛ لأنه أظهر فيه من غرائب علمه، ما لم يظن أن عاقلاً يتكلم بمثله!
  وأما قوله: «وهذا كما تقول: قتل الأمير فلاناً، ويقال: قتله الجلاد، ولكن الأمير قاتل بمعنى والجلاد قاتل بمعنى آخر، والله فاعل بمعنى آخر».
  فالجواب: أنه إن وقف عند هذا المثال الذي ذكره، يلزم أن تضاف المعاصي إلى الله تعالى، بمعنى أنه أمر بها وشاءها ورضي بها، والعبد محدثها وفاعلها(١)،
= تعالى، فلو فرض كون الإرادة (وكذا القدرة) شرطاً لتأثير الله لم يوجب كون العبد مكتسباً لما اخترعه الله، ألا ترى أنه يصح أن يخترع الله الحركة وسائر الأعراض، والمحل شرط في الاختراع، ولا يلزم من كونه شرطاً كونه مكتسباً لما اخترعه الله فيه بالاتفاق في مثل تحريك الجمادات وإيجاد سائر الأعراض فيها. فكذا ما ادعى أنه شرط في تأثير قدرة الله واختراعه من إرادة العبد وقدرته، لا يقتضي كونه مكتسباً ولا منسوباً إليه ذلك المؤثر بوجه، إلا على جهة المجاز كما ينسب إلى الجمادات، ولا يخفى مثل هذا على ذي لب سليم، والحمد لله تعالى.
(١) قال ¦ في التعليق: ولا يقال جواباً عن الفقيه: أن مثل هذا لا يلزم إلا لو كان يتفرع على رضا الآمر ومشيئته بقتل الجلاد أنه يسمى آمراً وليس كذلك، فلا يلزم أن يسمى الله آمراً من حيث رضاه ومشيئته بفعل العبد؛ لأنَّا نقول: إن الفقيه مثَّل بالأمير والمأمور ثم خالف وعكس في الفرع الممَّثل، فإنه جعل الفعل مضافاً إلى الله من حيث إيجاده له فصار عنده بمثابة الجلاد المباشر، وأضاف الفعل إلى العبد من حيث أرَادَهُ، فصار كالأمير المضاف إليه الفعل من حيث الأمر والإرادة، وهذا من نكس القلوب، فمراد الإمام # بلزوم أن يكون الله آمراً من حيث أن الفقيه مثَّل بالأمير والمأمور، فإن بقي على المثال وذلك بأن يضاف الفعل إلى الله كما يضاف إلى الأمير، ويضاف إلى العبد كما يضاف إلى الجلاد، فالمعلوم أنه لا يضاف إلى الأمير إلا من حيث كونه آمراً فيلزم على هذا أن يكون الله تعالى آمراً بالفحشاء. وإن لم يكن إضافته إلى الله تعالى كإضافته إلى الأمير، وإضافته إلى العبد كإضافته إلى الجلاد؛ بل العكس، وهو أن يضاف إلى العلي الأعلى من حيث إنه أوجده، ويضاف إلى العبد الضعيف الأدنى من حيث أراده وشاءه - لم يطابق محلُ النزاع ما مثَّل به، اللَّهُمَّ إلا أن يبلغ به الحال إلى أن يجعل القوي ضعيفاً والعكس، فهو شأن الخذلان وعمى البصيرة.