[دعوى الفقيه أن العبد محل للقدرة والإرادة والعلم والرد عليها]
  وحلولها فيه، وهذه من العجائب، فأكثر ما قال جهم أَن قال: إن الفعل يضاف إلى فاعله لأنَّه حلَّه فيقال: احترك زيد، كما يقال: احتركت الشجرة.
  وأما الفقيه فلفضل علمه، أضاف الفعل إلى العبد، وسماه فاعلاً، بمعنى أنه حلت فيه أعراض أُخر، ليست هي الفعل، وهي القدرة والإرادة والعلم.
  ولقد أصاب جهم في خطأه، حيث علّق الحكم بما تعلق به الخلاف، وهو الفعل، وأخطأ في كيفية الإضافة، فجعلها بمعنى الحلول، والفقيه تعدى ذلك، فأضاف الفعل إلى العبد، وسماه فاعلاً، بمعنى أنه حلته أعراض أُخر غير الفعل، فكأنه فارق جهماً بأن قال: إن زيداً فاعل لأنه حله أعراض غير الفعل، وجهم لا يقول إنه فاعل، وإنما هو محل الفعل نفسه، فجعل المحترك من حلته الحركة، وكذلك غيره من الأعراض، سواء كان حياً أو جماداً.
  والفقيه جعل الجسم محتركاً - مثلاً - لأنه حلته أعراض أخر غير الحركة، كالقدرة والإرادة والعلم؛ فسبحان من فاضل بين عباده!
  وأما ترتيبه بين الأعراض فبدأ بالقدرة ثم بالإرادة ثم بالعلم(١).
  فالجواب: أنه لو قال قائل: ما الفرق بينك وبين من يعكس عليك(٢)، فيقدم
(١) قال ¦ في التعليق: يحمل على الترتيب في الذكر، وإلا فهو على العكس عند الفقيه، تأمل.
ولعلَّ الفقيه أراد أن إيجاد الله القدرة للعبد مشروط بإيجاد الإرادة له، ووجه تقدم الشرط ظاهر. وأمَّا العلم فلعدم تعقل إرادة المجهول، فلا بد من تقدمه على الإرادة التي هي الشرط. لكن هذا تبخيت وتقوُّل على الله بلا دليل، بل قام الدليل بخلافه، وهو ما لزم جهماً من المحذور المتفق عليه.
(٢) قال رضوان الله عليه في التعليق: لعلَّه بنى على أصله من مقارنة القدرة، فلذا أخرها.
لكن يقال له: ما الفرق بينك وبين من يقول بوجودها دفعة؟ فلا بد من دليل على الترتيب، والله أعلم.
ولعلَّه يقال: شأن العلم التقدم على المقدور المراد؛ لأن إرادة حصول المقدور فرع تصوره؛ إذ طلب المجهول لا يعقل، خلا أن قول الإمام فيما مر: (كيف يقال: خلق هذه القدرة الموجبة، والإرادة الموجبة ... إلخ) يقتضي أن الإرادة موجبة على مذهب الأشاعرة، فيلزم أن تكون مقارنة للمراد كالقدرة، فلا ترتيب بينهما؛ لأن العلَّة تقارن المعلول، وبعد هذا يلزم مؤثر لمؤثرين كمقدور بين قادرين. يقال: الوجه المانع من مقدور بين قادرين غير حاصل في العلل، لكن ما ذكره الفقيه من الارتباط يفيد أن قدرة العبد وإرادته ليستا بموجبتين، وإنما هما شرط لتأثير الموجب من قدرة الله، فلعلَّ إطلاق الإيجاب ووصفهما به تجوز عند الأشعرية.