كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الفرق بين إرادة الإجبار وإرادة الاختيار والرد على شبهات الفقيه]

صفحة 19 - الجزء 3

  وإن أراد العرف بطل؛ لأن أكثر ما فيه تسمية العنب المعتصر خمراً، لما كان مقدمة له ومؤدياً إليه، والذات واحدة، وإنما تختلف عليها الأسماء والأحكام، وهذا باطل في المراد مع الإرادة؛ فإن الإرادة لا ترجع مراداً بعينه فتسمى باسمه⁣(⁣١)، ولا ينقلب المراد إرادة فيسمى باسمها، فبان أن كلامه لا وجه له أوله وآخره في هذه المسألة، ونسي الفقيه ما ذكره أهل العلم أن المجاز لا يصح عليه القياس، ولكن كيف ينسى ما لم يذكر يوماً ما؟! وكم من عُقْم أقر للعين، ما كان أحسن سكوته عما لم يفهم، ليكون ذلك أستر له عند من يفهم.

[الفرق بين إرادة الإجبار وإرادة الاختيار والرد على شبهات الفقيه]

  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: وليس من حق المراد أن يحصل لا محالة، إلا عند مشيئة الإجبار ممن لا يقهر ولا يغلب، فأما إرادة الاختيار فلا يجب حصوله بها، فافرق بين الإرادتين إن كنت من أهل هذا الشأن - فأقول وبالله التوفيق: إن هذا جهل ممن ذهب إليه، وغلط ممن اعتمد عليه، فإن الله ø لو أراد منهم الإيمان على سبيل الإجبار لكان على ما قال، ولكنا نقول: لو جاز أن يريد الإيمان منهم طوعاً ولا يكون، ولا يلحقه عجز ولا تقصير عن بلوغ مراده؛ لجاز أيضاً أن يريد الإيمان منهم على سبيل الإلجاء والإكراه ولا يتم مراده من ذلك، ولا يلحقه من ذلك عجز ولا تقصير عن بلوغ مراده؛ لأنه قد ثبت في عقل كل عاقل


(١) قال رضوان الله عليه في التعليق: فيكون من الأوْل إليه كذلك يعني فلا يصح تسمية أحدهما بالآخر لعدم ما يسوغ ذلك من العلاقة. وتمثيل الفقيه بقولهم: صلينا على أثر سماء، لا يصح أن يكون منه أيضاً؛ لأن العلاقة في تسمية الغيث سماءً المحلية، لأن السماء أي الهواء محل الغيث، والإرادة ليست محلاً للمراد فيسمى باسمها. وكذا لا يصح أن يمثل لما قصده الفقيه بتسمية الغيث نباتاً؛ لأن إطلاق النبات عليه على التحقيق إنما العلاقة فيه كون الغيث بعينه يؤول إلى النبات الذي هو المرعى، ولذا لا يقال في الزرع - لما كان من البذر - حصدنا الغيث. وبهذا يظهر أن قولهم في أمطرت السماء نباتاً: إنه من إطلاق اسم المسبب على السبب إنما هو توسع لكونه بصورة أن الغيث سبب في النبات، فأشبه كونه سبباً في نبات البذور، ولخفاء العلاقة على التحقيق وهي الأَوْل إليه فيه.