[الفرق بين إرادة الإجبار وإرادة الاختيار والرد على شبهات الفقيه]
  أن من أراد شيئاً على أي وجه أراده، من فعل نفسه أو من فعل غيره، على وجه الطوع والاختيار، أو على وجه الإلجاء والإكراه، كان يوجد ما أراده على الوجه الذي أراده، ومتى لم يرد شيئاً وكرهه لم يوجد ذلك الشيء؛ كان موصوفاً بصفة الكمال والتمكن والاقتدار ونفوذ التصرف، وأنه أكمل صفة ممن يريد من عبده أو من جنده وعسكره فعلاً وجرياً على وجه الطاعة منهم له، فلا يطيعونه ولا يفعلون إلا ما كرهه ولم يرده.
  وأجمعنا على أن وصف الباري بصفة المكنة والاقتدار أولى من وصفه بصفة النقص والتعذر والتقصير عن بلوغ كمال مراده، ولهذا قلنا جميعاً: إنه لو كان معلوم وهو غير عالم به، ومرئي وهو غير راء له، ومسموع وهو غير سامع له، وكان هناك من يحيط علمه ورؤيته وسمعه بجميع المعلومات والمرئيات والمسموعات، كان أكمل صفة منه.
  وكذلك وجب أن يكون كل مقدور ومراد متعلقاً بقدرته وإرادته، وإلا وجب وصفه بالنقص والتقصير عن بلوغ رتبة الكمال، وذلك منفي عن الله سبحانه باتفاق.
  فإن قالوا: لو لم يتم ما أراد منهم على سبيل الإلجاء، لدل ذلك على عجزه عن فعل سبب يلجئهم به إلى الإيمان، من ترهيب وإحضار نكال، وغير ذلك، والعجز غير جائز عليه.
  قيل لهم: لو لم يكن ما أراده من إيمانهم طوعاً واختيارهم، لدل ذلك على عجزه عن فعل لطف وسبب من الأسباب يختار عنده فعل الإيمان، وذلك منتف عنه تعالى.
  فإن قالوا: قد لا يكون في المعلوم شيء يؤمنون عنده، فلا يلحق العجز بفقد القدرة عليه.
  قيل لهم: قد لا يكون في المعلوم شيء يلجأون عند فعله بهم إلى الإيمان به،