كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الفرق بين إرادة الإجبار وإرادة الاختيار والرد على شبهات الفقيه]

صفحة 22 - الجزء 3

  إنما يكون بأن يمنعهم عن المراد، ويحول بينهم وبينه بالحوائل، أو يخلق في قلوبهم العلوم التي تدعوهم إلى حصول الفعل لا محالة، أو يخلق تعالى نفس الفعل الذي أراد حصوله بالإلجاء، فمتى رام ذلك ولم يحصل، انكشف أنه تعالى غير قادر على منعهم من الفعل الذي أرادوا وقوعه وكرهه، أو غير قادر على خلق الدواعي التي هي العلوم الضرورية في قلوبهم، التي يفعلون عندها لا محالة ما الجأهم إليه.

  كما نعلمه من حال من ألجئ إلى الهرب عند مقابلة السبع، وعلم أنه لا يقدر على مقاومته، فإن الهرب يقع منه لا محالة، فلو قدرنا أنه اختار الوقوف، لظهر لنا أنه اعتقد مقاومة الأسد، فهذا أمر ظاهر؛ فمن خشي وقوع الحائط عليه، أو المسير على حصير تحته بئر فإنه لا داعي له إلى الوقوف تحت الحائط، بل له أبلغ داع إلى العَدْو، وكذلك له أبلغ داع إلى الميل عن الحصير المبسوط على رأس البئر، وكذلك الأكل من الطعام الذي شاهد السم مخلوطاً فيه، [إلى غير ذلك]⁣(⁣١).

  فكيف يقال: إنه لو جاز أن يريد منهم الإيمان على سبيل الإلجاء والإكراه، ولا يتم مراده ولا⁣(⁣٢) يلحقه عجز ولا تقصير، وهل يصير حاله إلا كمن ذكرنا، ممن ألجئ إلى أحد هذه الأمور التي مثلنا بها وأوفى، وهو ظاهر.

  وهذا بخلاف إرادة الشيء على وجه الاختيار، فإنه لا يدل على ضعفه متى لم يقع ما أراده، فإنا لا نريد اختلاف أهل الكتاب إلى البِيَع والكنائس بل نكرهه، ونحب ونريد إسلامهم، واختلافهم إلى المساجد والجماعات، ولا يدل وقوع الاختلاف إلى البيع والكنائس منهم، وترك الإسلام ودخول مساجدنا على


= قادر على خلق نفس الفعل فكيف يقال: إنه لو جاز أن يريد منهم الإيمان على سبيل الاختيار ولا يتم مراده ولا يلحقه عجز لجاز أن يريد منهم ذلك على سبيل الإلجاء ولا يتم ولا يلحقه عجز وهل يصير ... إلخ.

(١) بدل ما بين المعقوفين في (نخ): أو غير قادر على خلق نفس الفعل.

(٢) في (نخ): لا يلحقه.