كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الفرق بين إرادة الإجبار وإرادة الاختيار والرد على شبهات الفقيه]

صفحة 25 - الجزء 3

  عن فعل لطف وسبب من الأسباب يختارون عنده فعل الإيمان وذلك منتف عنه تعالى.

  فإن قالوا: قد لا يكون في المعلوم شيء يؤمنون عنده، فلا يلحق العجز بفقد القدرة عليه.

  قيل لهم: قد لا يكون في المعلوم شيء يلجأون⁣(⁣١) عند فعله بهم إلى الإيمان به، وإن قُطِّعوا إرباً وأنزل عليهم أعظم العذاب والنكال، بأن يعلم تعالى أنهم لا يختارون عند فعل شيء من ذلك الإيمان، فلا يجب بنفي القدرة عليه، إثبات عجزه عنه، ولا جواب لهم عن ذلك».

  فالجواب عن آخر كلامه هذا: أنه ناقض فيه، حيث أورد على نفسه سؤال الإلجاء، وأنه ليس في المعلوم ما يختار المكلف عنده الإيمان؛ فأجاب بأن الملجأ لا يختار ما ألجئ إليه ولو قُطع إرباً وأنزل عليه أعظم العذاب والنكال، وهو يعلم أن الاختيار إنما يتصور فيمن يتمكن من الفعل وخلافه؛ فأما من لا داعي له إلى ما أُلجئ إليه من طريق دفع المضار، لم يبق للاختيار مدخل، بمعنى أنه لا داعي له إلى خلاف ما ألجئ إليه، كما ذكرنا أولاً فيمن شاهد السم في الطعام، وفيمن شاهد السبع الضاري الذي لا يستطيع دفعه، وفيمن رأى الحائط أو الحجر العظيم مقارباً للسقوط، وغير ذلك، فإنه لا يعقل في حقه إقدام على ما يعلم مضرته، ولا إحجام عن التخلص منه بكل ممكن، فكيف ينكر ذلك هذا الفقيه، وفيه مدافعة المعقول في المشاهد، وادعى مع ذلك أنه لا جواب لهم عن ذلك.


(١) قال ¦ في التعليق: قد مر أن الإلجاء يكون بخلق العلوم الضرورية التي تدعوهم إلى إيجاد الفعل، ويكون بخلق نفس الفعل، فقول الفقيه: قد لا يكون في المعلوم شيء يلجأون عند فعله بهم إلى الإيمان ... إلى آخره. يقال له: ولو صح ما قلت فلا يفيدك؛ لأن الله تعالى قادر على إيجاد نفس الفعل فيهم من دون تقدير شيء يلجأون عند فعله بهم إلى الفعل، فليس ما به الإلجاء محصوراً على ما ذكرت.