كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[شبهة الفقيه أن الموافقة والمخالفة تكون بالأمر لا بالإرادة والرد عليه]

صفحة 28 - الجزء 3

  تعالى سائر الجزاء، بالواحدة إلى عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف سوى الصبر فقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ١٠}⁣[الزمر].

  ويجب الصبر أيضاً لأن في تلك المحن والشدائد من مصالح الدين ما يربي على المنافع التي فاتت من منافع الدنيا بما لا يتقدر، قال سبحانه وتعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ١٢٦}⁣[التوبة]، فذكر تعالى التنبيه على أن الفتنة يراد بها التذكير.

  وأما التكليف من الله سبحانه بالاستسقاء والدعاء وطلب كشف هذه الأمور، فلا يدل على أنا لا نريدها، كما لا يدل على أنه سبحانه لا يريدها، لما أمرنا بدعائه، وهَلاَّ قال الفقيه: إن إنزالها حكمة، لما يحصل بها من مصالح الأديان، ثم الأمر بالدعاء بإزالتها حكمة؛ لأن الغرض قد حصل بإنزالها، وعلم تعالى أن الدعاء يقوم مقام بقائها في باب المصلحة، فأمر تعالى بالدعاء، ووعد تعالى بالإجابة، وجميع ذلك مما تقتضيه الحكمة البالغة، والإنعام العام التام أَنْ لَطفَ سبحانه بتلك المحن، ثم عوض عليها، وبلغت من المصلحة مبلغها.

  ثم أمر سبحانه بالالتجاء إليه، والتضرع في إزالتها، لما قام الدعاء مقامها في المصلحة، أو لما بلغت المصالح منتهاها، ففتح سبحانه للعباد باباً للثواب، وهو الدعاء والاستسقاء، فهو سبحانه ينقل عباده من تكليف يعقبهم صلاحاً في أديانهم، إلى تكليف يجمع بين صلاح أديانهم وأبدانهم؛ فلله الحمد على جميع ذلك، وفي هذا المعنى قال جدنا علي بن أبي طالب –~ وسلامه -:

  عَطِيَّتُهُ إذا أَعْطَى سُرُوْراً ... وإنْ أَخَذَ الذي أَعْطَى أَثَابَا

  فأيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعَمُّ شُكْراً ... وَأَجْزَلُ في عَوَاقِبِهَا إيَابَا

  عَطِيَّتُهُ الَّتِيْ أَهْدَتْ سُرُوْراً ... أَمِ الأُخْرَى التي ذَخَرَت ثَوَابَا

  وكذلك ما ذكره في موت الأنبياء والصالحين، وبقاء الكفار والأبالسة