كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[شبهة الفقيه أن الموافقة والمخالفة تكون بالأمر لا بالإرادة والرد عليه]

صفحة 29 - الجزء 3

  والشياطين، فإن الواجب الرضا بذلك كله، وإن كان الإنسان ينفر من ذلك ولا يشتهيه؛ لما في موت الأنبياء والصالحين من شدة التكليف، وصعوبة الأمر، وكذلك في بقاء الشياطين، والنفوس تميل إلى الرفاهية والشهوة، والنفار مما يتولى الله تعالى فعله، وعلينا في العمل بمقتضاهما تكليف شديد.

  وأما الإرادة والكراهة فهما مما يدخل تحت مقدورنا، وعلينا تعبد في فعل إرادة الحسن ولو كان شاقاً، وكراهة القبيح ولو كان مشتهاً ملذاً، وهذه أمور فرقت بينها الأدلة الصحيحة، فيجب العمل بما تعلق به التكليف من فعل أو ترك، ولكن لما لم تشم أنف الفقيه روائح هذه المصالح اللطائف، ارتكب ما لم يرتكبه سواه من القبائح الكثائف، مما لو جمعناه مستقصاً لطال الكلام.

  وأما قوله: «فعلم أن الموافقة والمخالفة لا تكون إلا بالأمر دون الإرادة».

  فالجواب: أنا قد بينا أنه لا فرق بينهما من طريق المعنى، بل لا يكون الأمر أمراً إلا بالإرادة؛ فلا يصح ما ادعاه من الفرق، وعاد عليه السؤال من أصله: أنه لو أراد تعالى القبائح الواقعة من العباد، وأرادها الشيطان - لعنه الله - لاتفقت إرادة الله تعالى وإرادة الشيطان؛ لأنه فعل ما أراده الحكيم؛ فإذا كان الرسول ÷ يريد منهم الطاعات التي لم توجد، وكره منهم المعاصي الواقعة، كان مريداً لما لم يرده الله، وكارهاً لما أراده الله تعالى، فيكون على هذا المذهب إبليس أحسن حالاً من النبي ÷! تعالى الله سبحانه، وشرف رسوله ÷ عن جميع ذلك.

  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: لأن المطيع من فعل ما أراده المطاع، وقال [أي فقيه الخارقة]: وقد بينا ذلك في قصة إبراهيم –عليه الصلاة والسلام - وأمر الله إياه بذبح ولده، وبما ذكرنا من المثال في الرجل الذي شكا عبده إلى بعض الملوك، وأنه لا يطيعه فيما أمره به، ثم استدعاه وأحضره عند الملك، وأمره بأمر فخالفه، فهل يصير مطيعاً له؟ أو يقول أحد بذلك، ولو قلنا: إن المطيع من فعل ما أراده المطاع، لكان مطيعاً له بخلافه لأمره».