[شبهة الفقيه أن الموافقة والمخالفة تكون بالأمر لا بالإرادة والرد عليه]
  فالجواب: أنا قد بينا ما الواجب في قصة إبراهيم # وأنه # قد امتثل ما أمر به من المقدمات، التي تسمى في العرف ذبحاً، ولهذا قال تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}[الصافات: ١٠٥]، وفي الآية {أَنِّي أَذْبَحُكَ}[الصافات: ١٠٢]، ولم يقل ذبحتك، وأتينا بما قاله علماؤنا والمفسرون في ذلك، لا ما يتخرصه الفقيه من المعاني التي توافق غرضه، ولا يبالي هل وافقت العقول ومحكم الكتاب والسنة، أم لا، وقد فعل ذلك في مواضع كثيرة.
  وأما المثال بالملك وصاحب العبد، فقد بينا أن ذلك ليس بأمر حقيقي من السيد، وفصلنا له ذلك تفصيلاً، وأنه أقرب إلى التهديد؛ لكراهته لما تعلقت به الصيغة المحتملة للأمور الأربعة(١)، وقد كشفنا عن جميع ذلك بأمثلة عرفاً وشرعاً، فلا طائل في إعادته.
  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: وكان من خالفه يسمى عاصياً لغة وشرعاً، واستدل بالآية ثم بالبيت بعدها، وقال [أي فقيه الخارقة]: إنما ذلك دليل على مخالفة الأمر لا الإرادة، فهذه الآية والبيت الذي زعم أنهما حجة له، فهما حجة عليه، فافهم هذا ولا تركن إلى تمويهات الزائغين، وسلم المشيئة والإرادة كلها لرب العالمين».
  فالجواب: أن في نهيه عن الركون إلى تمويهات الزائغين جوابه؛ لأن الركون إن كان فعلنا فله أن ينهانا عنه، وإن كان فعل الله تعالى دوننا، فلا وجه لنهيه عن ذلك، وعلى أنه ما تخلص مما لزمه من كون إبليس مطيعاً لله تعالى؛ لأنه بنى الفرق على أنه ينفصل عن الإرادة، وقد بينا أنه لا يكون أمراً من دون إرادة المأمور به، وبهذا تنفصل صيغة الأمر عن سائر الصيغ، التي كما تصلح للأمر فقد تصلح لغيره، من التهديد، والندب، والإباحة، على ما سبق تفصيله مكرراً.
  وأما قوله: «فافهم هذا، ولا تركن إلى تمويهات الزائغين».
(١) أي الأمر والتهديد والندب والإباحة. اهـ سماعاً عن الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.