[مناقشة الإمام # لفقيه الخارقة حول مسألة الوعيد وإبطال شبهاته]
  أن الله تعالى لا يفعل شيئاً من القبائح.
  فالذي يدل على الأول: أن لفظة (من) إذا وقعت نكرة في الشرط والجزاء اقتضت استغراق كل عاقل، كقول القائل: من دخل داري أكرمته؛ فإنه يستغرق جميع العقلاء، بدليل أن له أن يستثني من أراد إخراجه منهم، ولولا أن الخطاب مستغرق لجميعهم لما صح له استثناء من أراد؛ لأن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحت هذا الخطاب؛ فصح أن قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الجن: ٢٣]، مستغرق لكل عاص.
  والذي يدل على الثاني: وهو أن الفاسق عاص كما أن الكافر عاص، فوصفه بذلك صحيح بالإجماع.
  والذي يدل على الثالث: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ٣٤}[الأنبياء]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ٨}[الأنبياء]، فالله تعالى نفى بهاتين الآيتين أن يكون لأحد من الرسل والبشر خلود في الدنيا، ومعلوم أنهم قد بقوا في الدنيا بقاء منقطعاً، فثبت أنه نفى بذلك الدوام.
  والذي يدل على الرابع: وهو أن إخلاف الوعيد يكشف عن كون الخبر كذباً؛ لأنه متى لم يوصل إليه ما توعده به، صار خبراً لا يطابقه المخبر عنه، وهو ظاهر عند كل عاقل.
  وأما الخامس: وهو أن الكذب قبيح، فضروري ولا يفتقر في معرفة قبحه إلى سمع أو غيره.
  وأما السادس: وهو أن الله سبحانه لا يأتي بشيء من القبائح؛ فقد تقدم بيانه، فلا وجه لإعادته؛ فصح بهذه الجملة أن الفساق متى ماتوا مصرين على الفسق يعذبون في النار عذاباً دائماً - نعوذ بالله منه - وهذا بين لمن أنصف ولم يكابر.
  وإن قال: إن الآية واردة في الكفار، وهم مخلدون في النار بالإجماع.