كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر مسألة الوعيد]

صفحة 33 - الجزء 3

  قلنا: إن لفظ الآية عام لكل عاص، فيجب حمله على العموم، ولا يقصر على بعض ما يحتمله، كما ثبت مثل ذلك في آيات الطلاق وغيرها، فإن شيئاً من ذلك لم يقصر على سببه الذي ورد عليه، وعلى أن مثل هذه الآية وردت عقيب آيات المواريث، وليس فيما يليها ذكر كافر وردت فيه، وهي قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}⁣[النساء]، وحال هذه الآية في العموم لكل عاص، كالحال في الآية الأولى، وذلك ظاهر بحمد الله ومنه، وقد ظهر له الجواب عما استبعده من الخلود، وما مَثَّلَه ممن عزم على شرب جرعة من خمر، وقوله [أي الفقيه]: إنه يعذب مع فرعون وهامان، فإن عنى به الخلود فقد دللنا عليه، وإن أراد المقدار في كل وقت فليس كذلك، لأن الله تعالى يقول: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ٤٦}⁣[غافر]، وقال سبحانه: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ١٣٢}⁣[الأنعام]، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}⁣[الكهف]، وكقوله سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة].

  وكذلك حكايته في قوله: لا يجوز أن يغفر الله للفاسق - إن أراد به الجواز الذي هو الحسن فهو حكاية باطلة؛ لأنه كان يحسن من الله سبحانه أن يغفر للفاسق، بل للكافر من جهة العقل، لأنه يقضي بأن الذنب كلما عظم كان العفو عنه أدخل في باب الحسن، ولأنه حقه تعالى، واستيفاء حقه لا يجب عليه، وهذا بخلاف الثواب؛ فإنه حق للمثاب، وإيفاء الغير حقه واجب.

  وإن أراد بالجواز أنه لا يقع، فذلك صحيح، أما في الكافر فبالإجماع، وأما في الفاسق فلما قدمنا من الأدلة التي ذكرناها، وغيرها مما لم نذكره، وقد قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}⁣[ق].

  ثم قال [أي الفقيه]: والجواب عن هذه الجملة وبالله التوفيق: أنا نقول: إنَّ الذي ذهب إليه هذا الرجل القدري في هذه المسألة هو خلاف الكتاب والسنة وإجماع