كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول آيات الوعيد وإبطال شبهات الفقيه]

صفحة 64 - الجزء 3

  نفساً مؤمنة، ولا عصى الله ورسوله، ولا تعدى حدوده.

  قلنا: بل أراد بقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ}⁣[النساء: ١٤]، وهو الكافر، فإنه يدخل النار إذا كان لا إيمان معه ولا حسنة ولا طاعة؛ لأن الله تعالى نص على ذلك فقال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}⁣[هود: ١١٤]، ولم يقل إن السيئات يذهبن الحسنات، وقال: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ٣٠}⁣[الكهف]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ١٢٠}⁣[التوبة]، وقال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ - يعني الشرك وما في معناه - نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}⁣[النساء: ٣١]، فنص أنه يكفر السيئات لأجل الإيمان خاصة، وقد أخبر النبي ÷ أن الإيمان يعلو ولا يعلى عليه، وهو الأولى بالتقديم».

  فالجواب:

  أما قوله: «ثم نزيد على هذا فنقول لأجل هذا الذي ذكرت بعينه، من أن (من) إذا وقعت نكرة في الشرط والجزاء، اقتضت استغراق كل عاقل، يجب أن يكون كل من آمن وإن عصى يحكم بدخوله الجنة» ثم احتج بالآيات.

  فالجواب: أن الأصل في هذه اللفظة: أنها موضوعة للعموم؛ لما ذكرنا من الدلالة، وهي دخول الاستثناء لبعض ما تناوله، فإن دل دليل على إخراج شيء مما دخل تحت العموم أخرجناه بدليله، وبقي ما لا دليل على إخراجه داخلاً تحت العموم، وما استشهد به من الآيات حكمه هذا الحكم، وهذا أمر معلوم عند أهل اللسان، ما نعلم أنه اختلف فيه منهم اثنان.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «فإن قلت: إنما أراد بقوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}⁣[النمل: ٨٩] إذا لم يقتل نفساً مؤمنة، ولا عصى الله ورسوله، ولا تعدى حدوده.

  قلنا: بل أراد بقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ}⁣[النساء: ١٤]، إذا عصى الله بأعظم المعاصي، وتعدى جميع الحدود، وهو الكافر، فإنه يدخل النار إذا كان لا إيمان معه ولا حسنة ولا طاعة».