كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول آيات الوعيد وإبطال شبهات الفقيه]

صفحة 65 - الجزء 3

  فالجواب: ما قدمنا أنه يجب إخراج من دل الدليل على إخراجه من العموم، وبقاء ما لم يدل عليه دليل تحت العموم، عملاً بمقتضى دليلي العموم والخصوص، ولا يجوز تخصيص العموم بغير دلالة؛ لأن العموم دلالة يعمل بها، فإخراجه من الاستدلال بظاهره لغير وجه، يقتضي خروجه عن كونه دليلاً، وذلك لا يجوز.

  فلهذا يصح استثناء من كانت طاعاته محبطة في جنب معاصيه عن استحقاق الثواب؛ لأن العاصي قد توجد منه طاعات، ويصح استثناء من كانت معاصيه محبطة في جنب طاعاته فتكون صغائر، فيغلب ثواب الطاعات على عقاب المعاصي، فتصير محبطة العقاب، وإن كان لها تأثير في إسقاط ما يقابل عقاب فاعلها من الثواب، على الصحيح من المذهب عندنا؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} ... الآيات إلى آخرها [الأعراف: ٨].

  وأما معارضته لما قلناه بقوله [أي فقيه الخارقة]: «قلنا بل أراد بقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ}⁣[النساء: ١٤]، الكافر دون غيره».

  فالجواب: أنه تخصيص بغير دليل؛ لما بينا من قبل أن الفاسق عاص، كما أن الكافر عاص، فيدخل تحت الوعيد كالكافر، وإنما أخرجنا التائب للأدلة العقلية والسمعية، وأخرجنا صاحب الصغيرة لمثل ذلك من قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ٣١}⁣[النساء]، والفسق كبائر، كما أن الكفر كبائر، وإن كان بين الكبائر تفاوت، كما أن بين الكفر نفسه تفاوتاً، فكما أن تفاوت الكفر لا يخرج الكفار أجمع من الدخول تحت الوعيد، كذلك التفاوت بين كبائر الكفار والفساق، لا يخرج الفساق من الدخول تحت الوعيد.

  وأما تفسيره لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} بأن المراد به الشرك.