كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول آيات الوعيد وإبطال شبهات الفقيه]

صفحة 69 - الجزء 3

  وعلى أنا قد بينا فيما تقدم ما ورد عن النبي ÷ من وعيد الفساق من هذه الأمة، وفي أقل قليل منه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

  على أنه لو لم يرد في الفاسق إلا دخوله تحت عموم الوعيد، فالسكوت عن تعيينه لا يبطل مشاركته للكفار في الدخول في الوعيد، بل ظاهر العموم كاف في ذلك، فلا يحتاج إلى تعيينهم بعد دخولهم تحت العموم، وإنما يصح له الاحتجاج لو تعلق بهم استثناء.

  ومعلوم أنه لم يرد فيهم ما يخرجهم من عموم الوعيد، فبقوا داخلين تحته؛ لأن إخراجهم عما احتمله لفظ القرآن بغير دليل لا يجوز.

  وأما الوجه الثاني من تخصيص القرآن للفساق من عموم الآيات المتعلقة بوعيد العصاة؛ فلم يذكره، إلا أن يريده بقوله: فأما المذنبون من أهل الكبائر فإنه قال فيهم: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} بعد أن قال: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}⁣[الزمر: ٥٣]، وقال: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ٨٧}⁣[يوسف]، وقال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا


= القذف، وآية أكل أموال اليتامى، وغيرها من القرآن.

وكذا صرائح الأخبار من السُّنة المصرحة بِصُلِي الفساق النار، ألا يقضي العقل بأنها صارفة في الآية عن إرادة الحصر الحقيقي، فإنه إذا لم تصرف مثل هذه الأدلة عن دخول الفساق في النار، لم يكن في الدنيا صارف. أو يحمل الحصر في الآية على المبالغة كما أشار إليه الإمام # وأنه يُنَزل صُلِيّ غير المكذب المتولي منزلة عدمه بالنسبة إلى عظم عقاب الكافر المكذب المتولي، وهذا لقيام المانع كذلك عن إرادة الحقيقي؛ بل من الحصر العرفي أعني الادعائي وهذا أعني ما ذكرناه مذكور مقرر في علم المعاني والبيان، فليتأمل. وفي ذهني أن صاحب الكشاف حمل النار المذكورة على نار تلّظى مخصوصة بمن ذكره الله من الأشقى، فيكون أحد التأويلات في الآية، وقد تقرر عند أهل الشريعة وجوب تأويل ما خالف ظاهره دليلاً أقوى من دلالة الظاهر، فمثل هذا لا يخفى على ذي لبّ وغرضه الحق وليس في قلبه زيغ فيتبع المتشابه.

نعم، التأويل بـ (نار) مخصوصة هو لابن أبي الحديد، صرّح به في (شرح النهج) في ردّه على الخوارج، في المجلد الأول.