كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول آيات الوعيد وإبطال شبهات الفقيه]

صفحة 70 - الجزء 3

  كَبِيرًا ٤٧}⁣[الأحزاب]، وقال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٤٩}⁣[الحجر]، وقال: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ ... الآية}⁣[الزمر: ٦١].

  فالجواب: أن قوله تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ... إلى آخرها، ليس المراد بها الفساق كما زعمه الفقيه، بل المراد بها الكفار، على ما روينا بالإسناد المتقدم في أخبار الوعيد يبلغ به عطاء عن سعيد قال: نزلت في كفار قريش: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ويعني بالإسراف الذنوب العظام، من الشرك والقتل والزنا جميعاً، {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} يعني هذه الخصال لمن تاب منها.

  وفي الرواية الأخرى عن ابن جريج، عن عطاء ومقاتل بن سليمان، عن الضحاك جميعاً، عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} قال: يريد قوماً من المشركين، كان الإسلام قد حلي في قلوبهم فقالوا في أنفسهم: ما نظن أن الله يقبل إيماننا وقد صنعنا بمحمد ÷ كل شيء، أخرجناه وقاتلناه وقاتلنا أصحابه، منهم حكيم بن حزام، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، ووحشي الذي قتل حمزة وغيرهم {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، قال: يريد من آمن به {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣}⁣[الزمر]، بمن آمن.

  ومثله عن ابن عباس أيضاً، وفيه: قال ابن عباس زد واقرأ: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ٥٤}⁣[الزمر]، وقال ابن عباس في هذه عُلْقة⁣(⁣١).

  وأما قوله [تعالى]: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ٨٧}⁣[يوسف]، فهو وعيد لمن ييئس من روح الله، وليس المراد به ما يتعدى إلى أن يرجو


(١) أي متمسك.