كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن الظلم المتوعد عليه بالنار هو الشرك]

صفحة 71 - الجزء 3

  ويتمنى دخول الجنان مع عظائم الجرائم، وارتكاب المآثم، وترك الواجبات، فإن الله ø يقول ما قطع دابر المتمنين والمتمردين: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}⁣[النساء]، وفي هذه الآية ما يقطع أماني المجبرة، بدخول الفساق دار المغفرة.

  وأما قوله [تعالى]: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ٤٧}⁣[الأحزاب]، فالمراد به من كمل إيمانه، قولاً وعملاً واعتقاداً، واستقام على ذلك إلى حال الوفاة، لما دلت عليه الأدلة الصحيحة.

  وأما قوله [تعالى]: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٤٩}⁣[الحجر]، فالمراد بذلك لمن تاب وآمن وعمل صالحاً، ولهذا قال عقيبه: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ٥٠}⁣[الحجر].

  وأما قوله [تعالى]: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ}⁣[الزمر: ٦١]، فلا فرج فيه لمن يقول: وينجي الله الذين عصوا بفسقهم وفجورهم، وبتهتكهم وغرورهم، فما في هذه الآيات مما يدل على أن لا وعيد لفساق أهل الملة، لولا قلة التأمل، وكثرة التجاهل.

[دعوى الفقيه أن الظلم المتوعد عليه بالنار هو الشرك]

  وأما قوله: «وبين أن الظلم الذي توعد عليه بالنار إنما هو الشرك فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣}⁣[لقمان]، وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ٨٢}⁣[الأنعام]».

  فالجواب: أنه لا خلاف أن الشرك غير مغفور مع الإصرار، وأنه موقع لفاعله في النار، ولكن من أين أن تعيين الكافر بالوعيد يمنع من دخول الفاسق في عمومه، وهو ممن عصى الله تعالى، ولم تخرجه دلالة عن استحقاق النار والتخليد؟